حكم ترتيب قضاء الفوائت في الصلاة بين المذاهب الأربعة

تعرف على حكم ترتيب قضاء الفوائت في الصلاة بين المذاهب الأربعة مع الأمثلة الواقعية والأدلة الشرعية. هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة أم يكفي قضاؤها بلا ترتيب؟ المقال يوضح الخلاف الفقهي والخلاصة العملية.

حكم ترتيب قضاء الفوائت في الصلاة بين المذاهب الأربعة
حكم ترتيب قضاء الفوائت في الصلاة بين المذاهب الأربعة
  • مقدمة

    الصلاة عماد الدين، وهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، وقد فرضها الله في أوقات محددة، قال تعالى:
    ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103].

    لكن قد يفوت المسلم بعض الصلوات لعذر أو تقصير، وحين يريد قضاءها يظهر سؤال مهم:
    هل يجب ترتيب الفوائت عند قضائها؟ أي: هل يلزمه أن يبدأ بالصلاة الأولى التي فاتته ثم الثانية بالترتيب، أم يجوز أن يقضيها بغير ترتيب؟

    هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء، ولها أثر عملي على كثير من الناس الذين تراكمت عليهم الصلوات.

  • معنى المسألة مع أمثلة واقعية

    ·        الترتيب: أن يقضي المسلم الصلوات بالترتيب الذي فاتته فيه.

      • مثال: من فاتته الظهر والعصر، يبدأ بالظهر ثم العصر.

    ·        ترك الترتيب: أن يقضيها بلا ترتيب.

      • مثال: من فاتته الظهر والعصر، بدأ بقضاء العصر ثم صلى الظهر.
  • أقوال المذاهب الأربعة

    1- مذهب الحنفية

    • الحكم: الترتيب واجب إذا كانت الفوائت قليلة (يوم وليلة = خمس صلوات فأقل).
    • أما إذا كثرت الفوائت (أكثر من خمس صلوات) سقط وجوب الترتيب.
    • مثال: لو فاتتك صلاة الظهر والعصر فقط، يجب أن تبدأ بالظهر. أما إذا فاتك شهر كامل من الصلوات، فيجوز أن تقضيها بلا ترتيب.
    • الدليل: استدلوا بصلاته ﷺ يوم الأحزاب حين فاتته عدة صلوات فقضاهن مرتبة.

    2- مذهب المالكية

    • الحكم: الترتيب واجب في القليل من الفوائت، لكنه ليس شرطاً في صحة الصلاة.
    • مثال: لو فاتك الظهر والعصر وبدأت بالعصر، فصلاتك صحيحة لكنك آثم.
    • الدليل: قياساً على أن الأصل أداء الصلاة على ترتيبها، فوجب مراعاة الترتيب في القضاء.

    3- مذهب الحنابلة

    • الحكم: الترتيب واجب دائماً في كل الحالات، سواء فاتت صلاة واحدة أو صلوات كثيرة.
    • مثال: لو فاتتك الفجر وصليت الظهر قبل أن تقضي الفجر، فإن صلاتك باطلة عندهم وتجب الإعادة.
    • الدليل: قول الشيخ الرحيباني في مطالب أولي النهى:

    "ولا يسقط الترتيب إن جهل وجوبه، لقدرته على التعلم، فلا يُعذر بالجهل لتقصيره، بخلاف الناسي."

    4- مذهب الشافعية

    • الحكم: الترتيب مستحب فقط وليس واجباً.
    • مثال: لو فاتتك الظهر والعصر وبدأت بالعصر، فصلاتك صحيحة بلا إثم، لكن الأفضل أن تبدأ بالظهر.
    • الدليل: قال النووي في المجموع:

    "مذهبنا أنه لا يجب ترتيبها ولكن يستحب، وبه قال طاوس والحسن البصري وأبو ثور وداود."

  • الأدلة ومناقشتها

    أدلة من أوجبوا الترتيب

    ·        حديث ابن عمر: أن النبي ﷺ قال:
    "
    من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام."
    لكن هذا الحديث ضعيف، كما ذكر أبو زرعة الرازي والبيهقي.

    ·        وفعل النبي ﷺ يوم الأحزاب حيث قضى الفوائت مرتبة.

    أدلة من لم يوجبوا الترتيب

    • عموم قوله ﷺ: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها." ولم يذكر الترتيب.
    • ولأن الصلاة دين في الذمة، ولا يُشترط في قضاء الديون ترتيب إلا بنص صريح، وهو غير موجود.
  • الخلاصة

    • عند الحنابلة: صلاته بلا ترتيب غير صحيحة.
    • عند الحنفية والمالكية: صلاته صحيحة مع الإثم في الفوائت القليلة.
    • عند الشافعية: صلاته صحيحة بلا إثم.

    الأحوط: أن يقضي المسلم فوائته بالترتيب ما استطاع، اقتداءً بالنبي ﷺ وخروجاً من الخلاف. لكن إن صلاها بلا ترتيب، فصلاته صحيحة عند جمهور العلماء.

  • خاتمة

    الحرص على الصلاة في وقتها هو الأساس، أما قضاء الفوائت فيجب أن يكون فور تذكرها، والأفضل أن يقضيها مرتبة قدر الإمكان. فإن شق الأمر أو وقع الجهل بالحكم فلا إثم، إذ لم يرد نص صحيح صريح يوجب الترتيب.

    قال الإمام النووي:

    "المعتمد في المسألة أنها ديون على المكلف، ولا يجب ترتيبها إلا بدليل ظاهر، وليس لهم دليل ظاهر."