حكم بول الطفل الذي لم يطعم وكيفية تطهيره

تعرف على حكم بول الطفل الرضيع في الفقه الإسلامي، وهل يكفي النضح أم يجب الغسل؟ وما الفرق بين بول الغلام والجارية؟ ومتى يجب الغسل إذا طعم الطفل الطعام أو اعتمد على الحليب الصناعي؟ مقال شامل بأدلة شرعية وتوضيح لأقوال الفقهاء.

حكم بول الطفل الذي لم يطعم وكيفية تطهيره
حكم بول الطفل الذي لم يطعم وكيفية تطهيره
  • مقدمة

    مسألة حكم بول الطفل الرضيع من المسائل الفقهية التي تكررت فيها الأسئلة، خصوصاً عند الأمهات المرضعات، لما يترتب عليها من أحكام عملية تمس الطهارة والصلاة. وقد جاء الشرع الشريف ببيان واضح في هذا الباب، ففرّق بين الغلام (الذكر) و الجارية (الأنثى) قبل أن يطعما الطعام، وهو تفريق له علل وحِكَم بيّنها العلماء.

    في هذه المقالة سنستعرض أدلة العلماء وأقوال المذاهب الفقهية، مع بيان كيفية التطهير من بول الطفل، والفروق بين بول الغلام والجارية، وحكم الحليب الصناعي، وذلك بأسلوب تحليلي مبسط، جامع لكل ما ورد من تفصيلات، لتكون المقالة مرجعاً متكاملاً للباحثين والمهتمين.

  • نجاسة بول الطفل عند جمهور العلماء

    • اتفق جمهور العلماء على أن بول الطفل سواء كان ذكراً أو أنثى نجس، ولا خلاف بينهم في أصل النجاسة.
    • أما الخلاف، فليس في الحكم الشرعي للبول، بل في كيفية تطهير ما أصابه البول.
    • قال الإمام النووي رحمه الله: "هذا الخلاف إنما هو في كيفية تطهير الشيء الذي بال عليه الصبي، ولا خلاف في نجاسته."
    • نقل بعض العلماء إجماع الأمة على نجاسة بول الصبي، وأن المخالف الوحيد هو داود الظاهري، الذي قال بطهارته.

    إذن، الأصل أن بول الصغير نجس بالإجماع، وإنما التخفيف ورد في طريقة التطهير، خصوصاً في بول الغلام الذي لم يطعم الطعام.

  • الفرق بين بول الغلام وبول الجارية

    1. بول الغلام (الذكر) الذي لم يطعم

    • يكفي فيه النضح (الرش) بالماء حتى يغمر موضع البول.
    • لا يشترط أن يسيل الماء أو يتقاطر، بل يكفي تعميم الموضع بالماء.

    2. بول الجارية (الأنثى)

    • يجب فيه الغسل، أي صب الماء حتى يسيل ويجري على الموضع المصاب.
    • لا يكفي فيه مجرد النضح أو الرش.

    3. الأدلة من السنة

    • روى البخاري ومسلم عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأجلسه في حجره فبال عليه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله.
    • وفي حديث آخر: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

    "يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام" (رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم).

    4. الحكمة من التفريق

    • ذكر العلماء عدة علل لهذا التخفيف:
      • تفرق بول الغلام وانتشاره، بخلاف بول الجارية الذي ينزل في مكان واحد.
      • كثرة حمل الناس للغلام أكثر من الجارية، فيكثر وقوع بوله على الملابس، فخفف الشرع في تطهيره.
      • اختلاف طبيعة البول: بول الجارية أنتن وأخبث من بول الغلام بسبب اختلاف الطبيعة الجسدية (حرارة الغلام ورطوبة الجارية).
  • مذهب الفقهاء في المسألة

    1. مذهب الشافعية والحنابلة

    • فرّقوا بين الغلام والجارية:
      • بول الغلام الذي لم يطعم: يكفي فيه النضح.
      • بول الجارية: يجب فيه الغسل.

    2. مذهب الحنفية والمالكية

    • لم يفرقوا بين بول الغلام والجارية.
    • قالوا: يجب الغسل في بولهما معاً.

    3. الترجيح

    • الراجح هو قول الشافعية والحنابلة، لقوة أدلتهم، وثبوت الأحاديث الصحيحة الصريحة في التفريق.
  • حد الغلام الذي يُكتفى في بوله بالنضح

    • الضابط: أن يكون لم يطعم الطعام.
    • قال ابن قدامة: المراد بالطعام ما عدا اللبن، والتمر للتحنيك، والعسل للتداوي.
    • فإذا أكل الطفل الطعام عن شهوة واستغنى به عن اللبن، وجب الغسل من بوله.

    معنى "لم يطعم الطعام"

    • لا يقصد به مجرد لعق شيء يسير أو التذوق للتداوي.
    • بل يقصد به أن يكون غذاءً أساسياً للطفل، يتناوله بشهية ورغبة.
    • قال الحافظ ابن حجر: "المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يحنك به، والعسل الذي يلعقه للمداواة."
  • كيفية النضح والغسل

    النضح (في بول الغلام الذي لم يطعم):

    • أن يرش الماء على الموضع حتى يعمه ويغمره دون اشتراط سيلان أو تقاطر.
    • قال زكريا الأنصاري: "بأن يرش عليه ماء يعمه ويغلبه من غير سيلان."

    الغسل (في بول الجارية):

    • أن يصب الماء حتى يسيل على الموضع ويجري، ولا يشترط العصر.
  • الغائط عند الصغار والكبار

    • الغائط (البراز) نجس بالإجماع.
    • لا فرق فيه بين الصغير والكبير، ذكراً كان أو أنثى.
    • قال النووي: "الغائط نجس بالإجماع."
  • حكم بول الرضيع إذا كان يتغذى بالحليب الصناعي

    • لم يرد نص صريح عن العلماء المتقدمين في مسألة الحليب الصناعي.
    • لكن العلماء تكلموا عن لبن البهائم:
      • بعض الشافعية قالوا: إذا تغذى بلبن البهيمة وجب الغسل من بوله.
      • وآخرون قالوا: هو كاللبن البشري.

    رأي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

    • معنى "لم يأكل الطعام" أي كان غذاؤه باللبن سواء لبن المرأة أو لبن البهيمة.
    • أما الأطعمة الأخرى أو الحساء (الشوربة) فهي تعتبر طعاماً يوجب الغسل من البول.

    الترجيح المعاصر

    • بما أن الحليب الصناعي ليس لبناً خالصاً من الأم أو البهيمة، فالاحتياط أن يُلحق بالطعام.
    • وعليه: إذا كان الطفل يعتمد على الحليب الصناعي في غذائه، فإن الأحوط غسل بوله لا الاكتفاء بالنضح.
  • رأي المالكية في التيسير على المرضعات

    • ذهب بعض فقهاء المالكية إلى التخفيف عن المرضعة إذا أصابها بول الرضيع أو غائطه.
    • بشرط أن تجتهد في الوقاية بوضع خِرقة أو إبعاد الطفل وقت بوله.
    • فإذا اجتهدت وأصابها شيء رغم ذلك، عُفي عن غسله لمشقة الاحتراز.
  • خاتمة

    يتبين من هذا العرض أن:

    • بول الطفل نجس باتفاق جمهور العلماء، سواء كان ذكراً أو أنثى.
    • لكن الشرع خفف في كيفية التطهير بالنسبة للغلام الذي لم يطعم، فاكتفى بالنضح، بخلاف الجارية التي يجب غسل بولها.
    • إذا طعم الطفل الطعام، أو اعتمد على الحليب الصناعي، فالأحوط وجوب الغسل.
    • الغائط لا فرق فيه، فهو نجس بالإجماع.
    • الفقه الإسلامي يراعي التيسير ورفع المشقة، كما هو ظاهر في قول المالكية بالنسبة للمرضعات.

    هذا الحكم الشرعي يبين رحمة الشريعة وتوازنها، حيث تجمع بين الطهارة اللازمة للعبادة وبين رفع الحرج والمشقة عن الناس.