حُكْمُ تَأْخِيرِ إِزَالَةِ شَعْرِ العَانَةِ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا
يحظى موضوع العناية بالنظافة الشخصية في الإسلام بأهمية بالغة، إذ تعد السنن النبوية المتعلقة بحدود قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة من مظاهر الحفاظ على الطهارة والصحة. نستعرض فيما يلي الأدلة الشرعية والآراء الفقهية التفصيلية فيحكم تأخير حلق العانة عن أربعين يوم.

-
اولاً: . الدليل الشرعي الأساسي للنهي عن تأخير حلق العانة
1. الحديث
ورد في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
"وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً"
يفيد هذا الحديث بأن النبي ﷺ أوصى بعدم ترك هذه الأعمال لأكثر من أربعين ليلة، وهذا حد أقصى للحفاظ على النظافة والطهارة.
2. شرح العلماء للحديث
أ. شرح الإمام النووي
في شرحه لصحيح مسلم، أوضح الإمام النووي -رحمه الله- أن المقصود بالحديث هو عدم ترك هذه العبادات فترة تتجاوز الأربعين، وأوضح أنه من باب رفع السنن النبوية:
"معناه: أن لا نترك تركاً يتجاوز الأربعين. وقوله (وُقِّتَ لَنَا) هو من الأحاديث المرفوعة، مثل قوله (أُمرنا بكذا)، وقد وردت روايات أخرى بصيغة (وقت لنا رسول الله ﷺ)
ب. ما ذكره ابن الجوزي
يضيف ابن الجوزي في شرحه "كشف المشكل" توضيحاً مهماً يرتبط بالحكمة من هذا التوقيت:
"اعلم أنه متى زاد الزمان على هذا المقدار كثرت الأوساخ، وربما حصل تحت الظفر ما يمنع وصول الماء إليه. ثم إنها تعدم الزينة التي خصّت بالأظفار والشارب."
هذا البيان يوضح الجانب العملي المتعلق بالنظافة والصحة، إذ إن ترك الشعر والأظافر لفترات طويلة قد يؤدي إلى تراكم الأوساخ وصعوبة العناية بها.
ج. توضيح ابن هبيرة
يشير ابن هبيرة في "الإفصاح" إلى أن الحديث يحدد الحد الأقصى للتأخير، وليس أن المرء يجب أن ينتظر الأربعين ليلة بالضرورة:
"هذا الحديث هو الغاية في تأخير ذلك، والأولى أخذ ذلك فيما قبل هذه الغاية.
وهذا يعني أنه إذا بدا طول الشعر أو الظفر قبل انقضاء الأربعين ليلة، يستحب الإسراع في التشذيب والاهتمام بها.
-
مذاهب الفقهاء في حكم تاخير حلق العانة عن أربعين يوم
1- عند الشافعية: يُعتبر تجاوز الأربعين مكروهاً، إذ يجب الالتزام بالحد الأقصى المُحدد.
2- عند الحنابلة: جاء في "مطالب أولي النهى" أن ترك هذه الأمور لأكثر من أربعين يوماً مكروه، مستندين إلى نص الحديث.
3- عند الحنفية: اتجه بعض العلماء في المذهب الحنفي إلى تحريم تجاوز الأربعين دون إزالة الشعر أو تقليم الأظافر، رغم أن ذلك يُعد ندباً وليس واجباً بالإجماع.
4. عند المالكية، يُستحب إزالة شعر العانة، ولكنهم لم يحددوا مدة الأربعين يومًا كما ورد في بعض المذاهب الأخرى، بل جعلوا ذلك راجعًا إلى الحاجة والنظافة. ومع ذلك، فإن تأخير الإزالة حتى يبلغ حد الاشمئزاز أو يسبب أذى يُعد مكروهًا. لذا، فمن تركه مدة طويلة حتى صار مخالفًا لمقصد الطهارة والنظافة، فقد وقع في الكراهة.
5. وجهة نظر الشيخ ابن باز
اختار الشيخ ابن باز -رحمه الله- وجوب إزالة الشعر أو تقليم الأظافر قبل مرور الأربعين، مستشهداً بنص الحديث الشريف، حيث قال:
"الأظفار يجب تعهدها قبل مضي أربعين ليلة؛ لأن رسول الله ﷺ وقّت للناس في قلم الأظافر، وحلق العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب ألا يترك ذلك أكثر من أربعين ليلة."
-
ثالثاً: الحكمة من تحريم تاخيرحلق العانة عن أربعين يوماً
أولاً: حكمة الشرع:
- النظافة: تجنب تراكم الأوساخ والروائح.
- الزينة: الحفاظ على المظهر اللائق.
- الوقاية: كما ذكر ابن الجوزي: "متى زاد الزمان على الأربعين، كثرت الأوساخ وحصلت الأمراض".
ثانيًا: فوائد حلق العانة في العلم الحديث
ما يقوله العلم اليوم:
1. تقليل العدوى البكتيرية:
- منطقة العانة بيئة رطبة تنمو فيها البكتيريا والفطريات مثل المبيضات.
- الحلق المنتظم يحد من تكاثرها، ويقلل خطر التهابات الجلد والمسالك البولية.
2. منع التهيج والالتهابات:
- الشعر الكثيف يسبب احتكاكًا يؤدي إلى "التهاب الجلد التماسي"، خاصة مع ارتداء الملابس الضيقة.
3. تحسين النظافة الشخصية:
- يُسهل التنظيف أثناء الاستحمام، ويقلل تراكم العرق والدهون.
4. تعزيز الراحة الجسدية:
- يقلل الشعور بالحكة، ويسهل ممارسة الرياضة.
-
رابعا: ما حكم صلاة من لم يحلق شعر العانة؟
- صلاة من لم يحلق شعر العانة صحيحة، ولا يؤثر ترك حلقه على صحة الصلاة، لأنه ليس من شروطها ولا من أركانها.
- ولكن إذا كان تركه يؤدي إلى تجمع الأوساخ أو الروائح الكريهة التي تسبب أذى للآخرين أو تؤدي إلى عدم اكتمال الطهارة، فقد يكون مكروهًا أو حتى محرمًا إذا ترتب عليه ضرر.
- وإذا كان يترك نجاسة تعلق به فقد يؤدي لبطلان الصلاة لعدم صحة الطهارة، وحدوث مثل هذا قليل ونادر.
-
خامساً: هل لشعر المؤخرة حكم شعر العانة في وجوب الحلق ومنع التأخير؟
آراء الفقهاء في حكم إزالة شعر المؤخرة (حول الدبر) ومدى دخوله في حكم شعر العانة تتلخص فيما يلي:
1. الحنفية:
يرون أن شعر الدبر مستحب إزالته، لأنه موضع تتجمع فيه النجاسة، وإزالته تعين على تحقيق النظافة والطهارة، لكنه ليس بواجب.
2. المالكية:
لم يصرحوا بوجوب إزالة شعر الدبر، لكنهم يرون أن تنظيف المواضع التي قد تتجمع فيها النجاسة أمر مطلوب، خاصة إذا ترتب على إبقائه ضرر أو نجاسة متكررة.
3. الشافعية:
رأوا أن إزالة شعر الدبر من سنن الفطرة المستحبة، لكنه لا يدخل في الوجوب، بل يندب لمنع تعلق النجاسة به.
4. الحنابلة:
قالوا إن إزالة شعر الدبر مستحبة وليست واجبة، لأنه موضع للنجاسة، وإزالته تساعد في تحقيق الطهارة الكاملة، لكنهم لم يلحقوه بشعر العانة في الحكم.
وبناء على ذلك :
شعر الدبر ليس له حكم شعر العانة من حيث التحديد بمدة معينة (مثل الأربعين يومًا)، لكنه يستحب إزالته للنظافة والطهارة، وهو من مكملات سنن الفطرة وليس من الواجبات عند جمهور الفقهاء.