هل يثبت التحريم برضاع المرأة غير المتزوجة؟
تعرف في هذا المقال المفصل على حكم رضاع الطفل من لبن امرأة غير متزوجة، وهل تثبت به المحرمية؟ مع آراء الفقهاء الأربعة، وأدلة من القرآن والسنة، وتوضيح للعدد الشرعي للرضعات المحرّمة، وحالات نادرة كرضاع العجوز أو البكر، وما يترتب على ذلك من آثار فقهية.

-
مقدمة
الرضاعة ليست مجرد علاقة غذائية بين الطفل والمرضعة، بل قد تؤسس لعلاقة قرابة شرعية توجب التحريم في النكاح وتحدد حدود العورة والخلوة. ومن المسائل المثيرة للاهتمام والتي يتكرر السؤال عنها: هل يثبت التحريم برضاع المرأة غير المتزوجة؟ وما حكم لبن البكر أو العجوز؟ وهل يكفي نزول اللبن بأي طريقة لإثبات المحرمية؟
-
عدد الرضعات التي تثبت بها المحرمية
أجمع جمهور العلماء، ومنهم الإمام الشافعي وأحمد في رواية، على أن التحريم لا يثبت إلا بخمس رضعات مشبعات فأكثر، استنادًا إلى حديث عائشة رضي الله عنها:
"كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات" [رواه مسلم].
شروط الرضاعة المحرِّمة:
- أن تكون خمس رضعات فأكثر.
- أن تكون كل رضعة مستقلة.
- أن يتم الرضاع في الحولين الأولين (قبل الفطام).
- أن يصل اللبن إلى جوف الطفل سواء بالمص أو بالسقي أو التنقيط.
- أن تكون خمس رضعات فأكثر.
-
حكم رضاع الطفل من لبن امرأة غير متزوجة
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: تثبت المحرمية
ذهب إليه جمهور الفقهاء، منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي، واختاره ابن قدامة والماوردي، وابن رشد، والعتبي، والشيخ ابن عثيمين، مستدلين بـ:
- عموم قوله تعالى:
"وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم" [النساء: 23].
- أن اللبن متى وجد في ثدي المرأة وأرضعت به، ثبت به التحريم، سواء نتج عن حمل أم عن تحفيز هرموني أو كان ناتجًا عن مرض أو غير ذلك.
- أن لبن المرأة مخلوق لغذاء الطفل، بغض النظر عن سببه، ما دام قد نزل وأرضعت به الطفل.
القول الثاني: لا يثبت به التحريم
هو قول الإمام أحمد في رواية، حيث اعتبر أن اللبن الذي يدر من غير وطء لا يعتبر لبنًا محرِّمًا، لأنه نادر ومخالف للعادة، وأشبه بلبن الرجل.
الراجح:
الصواب ما ذهب إليه الجمهور، كما قرره الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع"، حيث قال:"فالصواب أن لبن المرأة محرم سواء صار ناتجاً عن حمل أو عن غير حمل، فلبن البكر محرم، ولبن العجوز التي ليس لها زوج وأيست محرم".
- عموم قوله تعالى:
-
هل يكون زوج المرأة أبًا للرضيع
- إذا نزل اللبن بدون أن يكون الزوج سببًا في الحمل أو الإرضاع (كالحمل بالهرمونات)، فإن المحرمية تثبت من جهة المرأة فقط.
- فلا يعتبر زوجها أبًا للرضيع، كما في قول الشربيني:
"فاللبن لها لا للزوج ما لم تلد، ولا أب للرضيع، فإن ولدت منه فاللبن بعد الولادة له".
- إذا نزل اللبن بدون أن يكون الزوج سببًا في الحمل أو الإرضاع (كالحمل بالهرمونات)، فإن المحرمية تثبت من جهة المرأة فقط.
-
هل لبن العجوز أو البكر يُحرم
نعم، على القول الراجح، يثبت التحريم بلبن العجوز أو البكر إذا توفرت الشروط:
- خمس رضعات مشبعات.
- أن يكون اللبن لبنًا صافيًا وليس ماءً أصفر.
قال ابن رشد:
"لبن البكر والعجوز التي لا تلد وإن كان من غير وطء إذا كان لبناً لا ماء أصفر، فهو محرِّم".
وفي "الشرح الممتع":
"لبن العجوز محرم، ولبن البكر كذلك، سواء وُجد بسبب طبيعي أو مُحفز صناعي". - خمس رضعات مشبعات.
-
التنبيه على ما يترتب على التحريم
- إذا ثبت التحريم، فإن المرضعة تصبح أمًا من الرضاع.
- أبناؤها يصبحون إخوة وأخوات من الرضاع.
- يحرم نكاح بناتها أو أولادها أو حفيداتها.
- يجوز لهم رؤيتها والخلوة بها كمحارم بشرط أمن الفتنة.
- إذا ثبت التحريم، فإن المرضعة تصبح أمًا من الرضاع.
-
خاتمة
الرضاعة باب دقيق من أبواب الفقه، يترتب عليه أحكام مهمة في النكاح والعلاقات الاجتماعية. وقد تبيّن من خلال الأدلة والفتاوى أن لبن المرأة غير المتزوجة أو البكر أو العجوز، يثبت به التحريم إذا توفرت الشروط الشرعية، وهو ما أفتى به جمهور أهل العلم.