قصة ذو الكفل عليه السلام في القرآن الكريم

ذو الكفل شخصية قرآنية ورد ذكرها مرتين فقط، اختلف العلماء هل هو نبي أم رجل صالح. في هذا المقال نستعرض قصته في القرآن والسنة، مكان قبره، وعلاقته بحزقيال عند اليهود، مع أقوال المفسرين كابن كثير والرازي والقرطبي.

قصة ذو الكفل عليه السلام في القرآن الكريم
قصة ذو الكفل عليه السلام
  • مقدمة

    ذو الكفل شخصية قرآنية ورد ذكرها مرتين فقط في كتاب الله تعالى، دون تفصيل لسيرته أو دعوته. ومع قلة الإشارات القرآنية إليه، إلا أن المفسرين والمؤرخين توسعوا في البحث عن حقيقته، وعن مكانته بين الأنبياء والصالحين، مستندين إلى ما ورد في التفسير والحديث والروايات التاريخية.

    يهدف هذا المقال إلى استعراض مكانة ذي الكفل في القرآن، وآراء المفسرين حول نبوته أو صلاحه، إضافةً إلى ما ذُكر من قصصه، ومواضع اختلاف العلماء حول قبره ونسبه، مع بيان دلالات هذه الشخصية في الفكر الإسلامي.

  • ذو الكفل في القرآن الكريم

    لم يأت ذكر ذي الكفل إلا في موضعين اثنين:

    ·        الأول: قوله تعالى:
    ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنبياء: 85).

    ·        الثاني: قوله سبحانه:
    ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ﴾ (ص: 48).

    هاتان الآيتان تضعان ذا الكفل في عداد شخصيات اصطفاها الله تعالى، فوصفه تارةً بالصابر، وأخرى بالأخيار، مما يرفع من شأنه ويُبرز مكانته في زمرة الصفوة من عباد الله.

  • هل كان ذا الكفل نبيًّا أم رجلاً صالحًا؟

    رأي القائلين بنبوته

    ذهب جمهور المفسرين إلى أنّ ذا الكفل نبيٌّ من أنبياء الله تعالى.

    ·        قال ابن كثير: "الظاهر من السياق أنه ما قُرن مع الأنبياء إلا وهو نبي".

    ·        وقال الآلوسي: "نظمه في سلك الأنبياء دليل على نبوته".

    ·        وأكد الفخر الرازي ذلك بثلاثة أدلة:

    1.    أن اسم "الكفل" يفيد النصيب العظيم من الرحمة أو الثواب.

    2.    أن الله قرنه بذكر أنبياء مشهورين.

    3.    أن ذكره ورد في "سورة الأنبياء"، مما يرجّح كونه نبيًا.

    رأي القائلين بأنه رجل صالح

    ذهب آخرون إلى أن ذا الكفل لم يكن نبيًّا بل كان رجلاً صالحًا تكفّل بأداء طاعات عظيمة فوفى بها.

    ·        نقل القرطبي عن جمهورٍ من العلماء هذا الرأي.

    ·        وقال مجاهد: "هو رجل صالح غير نبي، تكفّل لنبي قومه أن يكفيه أمرهم ويقضي بينهم بالعدل، فسمّي ذا الكفل".

    ·        أما الطبري فقد توقف فلم يجزم لا بنبوته ولا بعدمها.

    الترجيح

    رغم هذا الخلاف، فإن ظاهر القرآن يُرجّح نبوته، لاقترانه بأسماء أنبياء عظام ووصفه بالصابر والأخيار، وهي أوصاف تتناسب مع مقام النبوة.

  • قصص وروايات حول ذي الكفل

    وردت في كتب التفسير عدة أخبار حوله، أهمها:

    1.    رواية ابن عباس: أن نبيًا من بني إسرائيل طلب من يخلفه ويكفل له القيام بالعبادة والعدل، فقام شاب فوفّى بما تكفّل به، وحاول إبليس إغواءه فلم ينجح، فنبأه الله وسمّاه ذا الكفل.

    2.    الحديث عن "الكفل": ورد حديث في المسند والجامع للترمذي عن رجل من بني إسرائيل يُدعى "الكفل" تاب من معصية عظيمة، فغفر الله له. وقد رجّح ابن كثير أن هذا الرجل غير "ذي الكفل" المذكور في القرآن، لورود الاسم مجردًا دون "ذو".

    3.    روايات تاريخية: بعض الأخبار ذكرت أنه كان يصلي مائة صلاة في اليوم، وقيل إنه كان يقضي بين الناس بالعدل دون أن يغضب، وقيل إنه خَلَف نبي الله اليسع على بني إسرائيل.

  • ذو الكفل في الروايات التاريخية

    ·        يرى بعض المؤرخين أن ذا الكفل هو نفسه حزقيال (Ezekiel) النبي عند اليهود، خصوصًا أن الروايات تشير إلى وجود قبر له في العراق.

    ·        قيل إنه ابن أيوب عليه السلام.

    ·        وذكر آخرون أنه بُعث في دمشق وما حولها.

  • مواضع قبره

    اختلف المؤرخون حول موضع قبره:

    1.    العراق: في بلدة الكفل قرب الحلة جنوب بغداد، حيث يوجد مقام يُنسب إليه.

    2.    إيران: في مدينة دزفول حيث يطلق على مقام هناك اسم قبر حزقيال.

    3.    الشام: في جبل قاسيون المطل على دمشق.

    4.    فلسطين: في بلدة كفل حارس شمال الضفة الغربية.

  • الدلالات الروحية والتربوية

    رغم قلة ما ورد عن ذي الكفل، إلا أن ذكره في القرآن مرتبط بصفات عظيمة:

    1.    الصبر: وهو خُلق ملازم للأنبياء والمرسلين.

    2.    الخير والاصطفاء: مما يدل على مكانة رفيعة.

    3.    الوفاء بالعهد: فقد تكفّل بأمر عظيم فوفّى به، فصار اسمه مقرونًا بالوفاء.

    وهذه القيم تجعل سيرته – وإن كانت موجزة – درسًا للمسلمين في تحمل المسؤولية، وضبط النفس، والصبر على الطاعات.

  • خاتمة

    يبقى ذو الكفل شخصية قرآنية غامضة من حيث التفاصيل التاريخية، لكن وضوح صفاته وأوصافه يكفي ليكون قدوة في الصبر والعدل والوفاء بالعهد. اختلف المفسرون بين نبوته وصلاحه، وتعددت الأقوال في نسبه وقبره، لكن الثابت أن الله سبحانه وتعالى رفع ذكره وقرنه بالأنبياء الأخيار.

    إن قصة ذي الكفل – بقلة تفاصيلها – تذكّرنا بأن العبرة ليست بكثرة ما يُروى، وإنما بجوهر الرسالة: أن يكون الإنسان صابرًا، عادلاً، وفيًّا بما عاهد الله عليه.