قصة بلعام بن باعوراء
اكتشف في هذا المقال التفصيلي قصة بلعام بن باعوراء كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية، وتعرّف على كيف تحوّل من عالم مستجاب الدعوة إلى رجل ضرب الله به مثلًا للضلال، كاشفًا عن خطورة اتباع الهوى والركون إلى الدنيا. نسرد لك تفاصيل القصة، وأهم الدروس والعبر منها، مدعومة بالأدلة من القرآن وأقوال العلماء

جدول المحتويات
- مقدمة
- من هو بلعام بن باعوراء؟
- بداية الانحراف: الطمع والضغوط
- تحذير الحمار... وآية الله العجيبة
- الكارثة الكبرى: من الدعاء إلى المكر
- الانتقام الإلهي والنهاية المأساوية
- بلعام في ضوء التفسير النبوي والقرآني
- الطعام والجنس: أدوات الشيطان القديمة المتجددة
- بلعام في العهد الجديد
- دروس مستفادة من قصة بلعام
- خاتمة
-
مقدمة
من القصص القرآنية التي تحمل في طياتها دروسًا عظيمة وعبرًا بليغة، قصة بلعام بن باعوراء، ذلك الرجل الذي منحه الله العلم والفضل، لكنه خان الأمانة الإلهية واتبَع هواه حتى صار عبرة للأمم. وردت قصته في سورة الأعراف، في قوله تعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا...} [الأعراف: 175-176].
في هذه القصة يتجلى كيف أن من يركن إلى الدنيا ويتبع شهواته بعد العلم قد يَضلّ ضلالًا بعيدًا، بل يكون مثالًا للغواية، كـ"الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث". -
من هو بلعام بن باعوراء؟
بلعام بن باعوراء كان أحد أحبار بني إسرائيل، عاش في زمن النبي موسى عليه السلام، وتلقى العلم على يديه، حتى صار من كبار العلماء، وكان مستجاب الدعاء، يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب. ورغم هذه المكانة، إلا أنه لم يصن علمه ولم يحفظ منزلته، بل انسلخ من آيات الله وانغمس في حب الدنيا والشهوات.
-
بداية الانحراف: الطمع والضغوط
أُرسل بلعام إلى أرض كنعان ليدعوهم إلى الله، وهناك خشي القوم أن يغزوهم نبي الله موسى عليه السلام، فطلبوا من بلعام أن يدعو عليه وعلى بني إسرائيل. في البداية رفض، وقال: "كيف أدعو على نبي الله وقد علّمني اسم الله الأعظم؟ إن فعلت، ذهبت دنياي وآخرتي!"
لكن تحت ضغط الإغراء بالمال والمناصب، ومع تكرار الإلحاح، وقع في الفتنة ووافق. -
تحذير الحمار... وآية الله العجيبة
ركب بلعام حماره متوجهًا إلى الجبل الذي سيطلّ منه على معسكر بني إسرائيل ليدعو عليهم، لكن الحمار توقف فجأة ورفض التقدم رغم الضرب، ثم أنطقه الله!
قالت له: "أتذهب لمحاربة نبي الله؟ إن الملائكة تردّني."
لكن بلعام أصر على موقفه، فوقف على الجبل وبدأ يدعو على بني إسرائيل مستخدمًا اسم الله الأعظم، لكن المفاجأة أن دعاءه انقلب عليه، فكلما دعا بسوء على موسى وقومه، أصاب الشر قوم بلعام، وإذا دعا لقومه، حلت البركة ببني إسرائيل! -
الكارثة الكبرى: من الدعاء إلى المكر
حين أدرك بلعام أن الله قد سلبه السيطرة على لسانه، أعلنها: "ذهبت دنياي وآخرتي!"
لكنه لم يتوقف، بل اقترح على قومه حيلة ماكرة لإغواء بني إسرائيل:
قال لهم: "زينوا نساءكم، وأرسلوهن إلى معسكر بني إسرائيل، فإن زنى واحد منهم بامرأة، هلكوا!"
وفعل القوم ما أمر، ففتن بعض بني إسرائيل بالنساء، ومنهم زمري بن شلهوم، الذي ضاجع امرأة مشركة تدعى "كُستي بنت صور"، رغم تحذير موسى عليه السلام له، فأصابهم الطاعون الإلهي، ومات منهم عشرات الآلاف. -
الانتقام الإلهي والنهاية المأساوية
عندها تدخّل أحد غيارى بني إسرائيل، وهو صحاح بن عيراد، فدخل على زمري وطعنهما معًا بحربته، ودعا الله أن يرفع عنهم البلاء، فاستُجيب له.
ومات في هذا الوباء عشرات الآلاف، وقيل بلغوا سبعين ألفًا.
أما بلعام، فقد اندلع لسانه من فمه، وأصبح لا يملك نفسه، وصار مثله كما وصفه الله:
"كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث..." -
بلعام في ضوء التفسير النبوي والقرآني
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"العلم علمان: علم في القلب فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان فذلك حجة الله على ابن آدم."
وهذا تمامًا ما ينطبق على بلعام، الذي امتلك العلم ولم يعمل به، بل استعمله في الفجور والتكسب، وركن إلى الدنيا حتى فقد الخير في الدنيا والآخرة. -
الطعام والجنس: أدوات الشيطان القديمة المتجددة
ما فعله بلعام في بني إسرائيل من استدراجهم للوقوع في الفاحشة وتقديم الطعام للأوثان، هو تذكير بأن الشهوات الحسية، كالمأكل والجنس، كانت وما زالت أيسر الطرق التي يستخدمها الشيطان لإسقاط بني آدم.
وهذا واضح في كل زمان، حيث تُستخدم تلك الوسائل لإبعاد الناس عن الطاعة وإغراقهم في المعصية، حتى في المجتمعات المتدينة. -
بلعام في العهد الجديد
جاء في رسالة بطرس الثانية 2:15:
"لقد تركوا الطريق المستقيم، فضلّوا تابعين طريق بلعام بن بصور، الذي أحب أجرة الإثم."
وهذا يشير إلى أن بلعام رمز عالمي لكل من باع دينه بعرض من الدنيا. -
دروس مستفادة من قصة بلعام
1. العلم لا ينفع صاحبه إن لم يعمل به.
2. اتباع الهوى يطمس نور البصيرة ويجلب الهلاك.
3. الحفاظ على التزكية الداخلية أهم من التظاهر بالدين.
4. الغدر بالدين يقود إلى أسوأ مصير.
5. الشهوات طريق سريع إلى الفتنة إذا لم تُضبط بالتقوى.
-
خاتمة
قصة بلعام بن باعوراء ليست فقط سردًا لعاقبة رجل فاسد، بل هي تحذير رباني لكل من رُزق نعمة العلم وعلو الشأن، أن يحذر من الكِبر والطمع والهوى، وأن يثبت على طريق الله مهما كثر المغرون والمُفتنون.
فمن ينسلخ من الآيات بعد أن عرفها، يكون كمن خلع جلده، لا رجعة له إلا برحمة الله، ونسأل الله الثبات حتى الممات.