خباب بن الأرت (سادس من أسلم وثبات على الحق رغم العذاب)
خباب بن الأرت رضي الله عنه من السابقين الأولين إلى الإسلام، لُقّب بسُدس الإسلام، وتحمّل أشد أنواع العذاب في مكة دون أن يتراجع عن دينه. تعرّف على نسبه، إسلامه، مواقفه البطولية، هجرته، جهاده مع الرسول ﷺ، ووفاته بالكوفة، مع أبرز الدروس والعبر من سيرته.

-
مقدمة
يُعدّ خباب بن الأرت رضي الله عنه واحداً من أعظم الصحابة الذين تركوا بصمة خالدة في تاريخ الإسلام، فهو من السابقين الأولين الذين دخلوا في دين الله عن يقين وإيمان صادق، وتحمّل في سبيل ذلك أشدّ أنواع العذاب والتنكيل. لم يكن خباب مجرد رجل من عامة المسلمين، بل كان رمزًا من رموز الثبات والصبر، حتى لقّب بـ"سادس من أسلم"، وارتبط اسمه بالصدق والتضحية والفداء.
-
نسب خباب ونشأته
- هو خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة من قبيلة تميم، وقيل من خزاعة.
- كنيته: أبو يحيى، وقيل: أبو عبد الله.
- سُبي صغيرًا في الجاهلية، وبيع في سوق النخاسة بمكة، فاشترته أم أنمار الخزاعية، حليفة بني زهرة.
- امتهن صناعة السيوف، فأصبح حدادًا بارعًا يُشار إليه بالكفاءة والمهارة، حتى صار من أشهر صانعي السيوف في مكة.
- هو خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة من قبيلة تميم، وقيل من خزاعة.
-
إسلام خباب رضي الله عنه
- أسلم خباب في وقت مبكر جدًا، حتى قيل إنه سادس ستة دخلوا الإسلام.
- نال شرف أن يكون من أوائل من أظهروا إيمانهم دون خوف أو تردد.
- لُقّب بـ "سُدس الإسلام"، إذ كان من السابقين الأولين إلى الإيمان برسول الله ﷺ.
موقفه مع العاص بن وائل
من أبرز مواقفه أن العاص بن وائل كان له عليه دين، فذهب يطالبه به، فقال العاص:
"لن أقضيك حتى تكفر بمحمد"، فردّ خباب بثبات:
"لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث".
فقال العاص ساخرًا: "فإن كنتُ مبعوثًا كان لي مال وولد، فأقضيك يومها".
فنزل قول الله تعالى:
﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ [مريم: 77-80]. - أسلم خباب في وقت مبكر جدًا، حتى قيل إنه سادس ستة دخلوا الإسلام.
-
صبر خباب على العذاب
كان خباب من المستضعفين بمكة، فتعرض لتعذيب شديد:
- كانت مولاته أم أنمار تحمي الحديد وتضعه على رأسه.
- كانت قريش تصهره بالنار وتطرحه على الجمر حتى يتساقط شحم ظهره.
- روى بنفسه أن القوم ألصقوا ظهره بالحجارة المحماة حتى ذاب لحم متنه.
- شكا لرسول الله ﷺ ما يلاقي من أذى، فقال له النبي:
"قد كان من قبلكم يؤتى بالرجل فينشر بالمنشار نصفين، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر، ولكنكم تستعجلون."
أثر التعذيب على جسده
أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يرى ما لقي خباب، فكشف له ظهره، فقال عمر: "ما رأيت كاليوم!"، إذ كان ظهره مليئًا بآثار الحرق والجروح الغائرة.
- كانت مولاته أم أنمار تحمي الحديد وتضعه على رأسه.
-
هجرة خباب ومشاركته في الغزوات
- هاجر خباب إلى المدينة مع المقداد بن عمرو، ونزل على كلثوم بن الهدم.
- آخى رسول الله ﷺ بينه وبين جبر بن عتيك أو تميم مولى خراش بن الصمة.
- شهد مع رسول الله ﷺ جميع الغزوات الكبرى: بدر، أحد، الخندق، خيبر، وفتح مكة.
- عاش حياته مجاهدًا في سبيل الله، لا يعرف للراحة سبيلاً.
- هاجر خباب إلى المدينة مع المقداد بن عمرو، ونزل على كلثوم بن الهدم.
-
حياة خباب بعد النبي ﷺ
- بعد الفتوحات الإسلامية، انتقل خباب إلى الكوفة، فكان من أوائل الصحابة الذين استقروا فيها.
- عاش بين المسلمين معلمًا ومرشدًا، ينقل الأحاديث ويغرس في النفوس معاني الصبر والثبات.
- رُوي له نحو 32 حديثًا، وروى عنه كبار التابعين مثل: مسروق، قيس بن أبي حازم، علقمة بن قيس وغيرهم.
- بعد الفتوحات الإسلامية، انتقل خباب إلى الكوفة، فكان من أوائل الصحابة الذين استقروا فيها.
-
وفاة خباب رضي الله عنه
- ابتُلي في آخر حياته بالمرض حتى كان يُكوى في بطنه بالنار من شدته.
- قال عند مرضه: "لولا أن النبي ﷺ نهانا أن نتمنى الموت لدعوت به."
- توفي بالكوفة سنة 37 هـ عن عمر ناهز 73 سنة.
- صلى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ودفن في ظهر الكوفة، وكان أول من دفن بها.
رثاء علي بن أبي طالب له
وقف علي رضي الله عنه على قبره وقال:
"رحم الله خبابًا، أسلم راغبًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا، وابتُلي في جسده، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً." - ابتُلي في آخر حياته بالمرض حتى كان يُكوى في بطنه بالنار من شدته.
-
الدروس والعبر من سيرة خباب
1. الثبات على المبدأ: لم يتزحزح عن عقيدته رغم شدة العذاب.
2. الصبر على البلاء: كان نموذجًا لمن تحمّل الأذى في سبيل الله.
3. المبادرة إلى الخير: من أوائل من أسلموا وأظهروا دينهم علنًا.
4. الإخلاص والتضحية: قدّم كل ما يملك لله ورسوله دون تردد.
5. البصيرة والإيمان بالآخرة: رده على العاص بن وائل يعبّر عن يقين لا يتزعزع.
-
خاتمة
إن سيرة الصحابي خباب بن الأرت رضي الله عنه تُمثّل مدرسة في الصبر والثبات والإيمان. فقد عانى ما لم يعانه كثير من الصحابة، لكنه لم يُبدّل ولم يُغيّر. بقي شامخًا كالطود، مضحياً بنفسه ووقته وجهده، حتى لقي الله تعالى بعد حياة عامرة بالجهاد والدعوة.
لقد كان خباب نموذجًا يُحتذى لكل مؤمن يواجه المحن والابتلاءات، ورسالة خالدة تقول: إن طريق الحق مليء بالتضحيات، لكن عاقبته النصر والخلود.