أبو هريرة رضي الله عنه: حامل السنة وأوعيتها
"تعرف على سيرة الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، أكثر الصحابة رواية للحديث، حياته قبل الإسلام وبعده، ملازمته للنبي ﷺ، مكانته في نقل السنة النبوية، عبادته وزهده، مواقفه المؤثرة، ودوره في نشر العلم. قراءة موسعة مدعمة بالأدلة وأقوال العلماء."

-
مقدمة
قصة ابو هريره رضي الله عنه إذا ذُكرت السنة النبوية وطرق انتقالها إلى الأمة، فلا بد أن يذكر معها اسم الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، الذي حفظ لنا أكثر من خمسة آلاف حديث من كلام النبي ﷺ، فكان بحقّ وعاء السنة وحافظها الأول.
لقد امتاز أبو هريرة بعزيمة صادقة وذاكرة حاضرة، وملازمة للنبي ﷺ لا تكاد تنقطع، مع إخلاص وزهد جعلاه محطّ ثناء الصحابة والتابعين والأئمة. -
نسبه وأصله
- الاسم: عبد الرحمن بن صخر الدوسي.
- القبيلة: دوس من الأزد باليمن.
- كنيته: أبو هريرة، لاعتنائه بهرة صغيرة.
- كان يتيمًا نشأ في بيت فقير، يعمل أجيرًا لقاء طعامه.
قال عن نفسه: «نشأت يتيمًا، وهاجرت مسكينًا، وكنت أجيرًا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني». وهذه البداية البسيطة كانت مقدمة لمكانة عظيمة كتبها الله له في حفظ السنة.
- الاسم: عبد الرحمن بن صخر الدوسي.
-
قصة إسلامه
دعا الطفيل بن عمرو الدوسي قومه إلى الإسلام بعد لقائه بالنبي ﷺ، فاستجاب له بعضهم، وكان من بينهم أبو هريرة. لكنه لم يهاجر مباشرة، بل لحق بالنبي ﷺ عام خيبر (سنة 7هـ) وهو ابن ثمانٍ وعشرين سنة.
وقد قال ابن عبد البر: «أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله ﷺ». ومنذ تلك اللحظة، لم يفارق النبي ﷺ إلا قليلًا.
-
ملازمته للنبي ﷺ
كان أبو هريرة فقيرًا، فانضم إلى أهل الصفة، وهم فقراء المهاجرين الذين لم يكن لهم مأوى، يقيمون في المسجد النبوي. ومن هناك تهيأت له فرصة ملازمة النبي ﷺ في جميع أوقاته، في بيته ومسجده وأسفاره.
قال: «إن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإخوتي من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وكنت ألزم رسول الله ﷺ على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا».
-
دعاء النبي ﷺ له بالحفظ
من أبرز محطات حياته أن النبي ﷺ دعا له بالحفظ. فقد قال:
«ابسط رداءك» فبسطه، فغرف فيه ثم قال: «ضمه» فضممته، فما نسيت شيئًا بعده. [رواه البخاري]
كما دعا له النبي ﷺ بقوله:
«اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى كل مؤمن ومؤمنة».
فاستجاب الله الدعاء، وأصبح أبو هريرة محبوبًا عند المؤمنين، محفوظ الصدر لما سمع من النبي ﷺ.
-
مكانته في رواية الحديث
- روى عن النبي ﷺ أكثر من 5374 حديثًا.
- روى عنه أكثر من 800 من التابعين.
- شهد له كبار الصحابة بحفظه، فقال ابن عمر: «كنت ألزمُنا لرسول الله ﷺ وأعلمنا بحديثه».
- قال الشافعي: «أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره».
- قال الذهبي: «اتفق الأئمة على الاحتجاج بأبي هريرة، وهو رأس في العلم والعمل».
- روى عن النبي ﷺ أكثر من 5374 حديثًا.
-
دفاع العلماء عنه ورد الشبهات
استنكر بعض الناس في عصره كثرة روايته، لكنه رد قائلاً:
«إن المهاجرين شغلهم الصفق بالأسواق، والأنصار شغلهم العمل في أموالهم، وكنت ألزم رسول الله ﷺ على ملء بطني».واتفق العلماء على عدالته:
- قال الإمام أحمد: «لم يختلف أهل العلم أن أبا هريرة كان حافظًا».
- قال ابن حزم: «أبو هريرة من كبار الفقهاء المجتهدين».
- قال الإمام أحمد: «لم يختلف أهل العلم أن أبا هريرة كان حافظًا».
-
عبادته وزهده
كان أبو هريرة مثالًا في العبادة والخشية:
- كان يصوم كثيرًا، ويقسم الليل قيامًا بينه وبين أهله وخادمه.
- كان يستغفر الله في اليوم 12 ألف مرة.
- قال أبو عثمان النهدي: «تضيّفت أبا هريرة سبعًا، فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثًا».
- كان يصوم كثيرًا، ويقسم الليل قيامًا بينه وبين أهله وخادمه.
-
صفاته الخَلقية والخُلقية
- كان رجلًا آدم، بعيد ما بين المنكبين، ذا ضفيرتين.
- عُرف بروح الدعابة واللين مع الناس.
- كان عطوفًا على الصغار والضعفاء، حتى إنه كان يمزح مع الأطفال ليضحكهم.
- كان رجلًا آدم، بعيد ما بين المنكبين، ذا ضفيرتين.
-
أثره في التعليم ونشر السنة
بعد وفاة النبي ﷺ، تفرغ أبو هريرة للتعليم والإفتاء:
- كان يجلس في المسجد النبوي يحدّث طلاب العلم.
- كان من كبار المفتين في المدينة زمن عثمان رضي الله عنه.
- روى عنه كبار التابعين مثل سعيد بن المسيب.
وقد ساهم بجهوده في تدوين وحفظ جانب كبير من الشريعة.
- كان يجلس في المسجد النبوي يحدّث طلاب العلم.
-
دوره في العهد الراشدي
- في خلافة أبي بكر، شارك في حروب الردة.
- في خلافة عمر، شارك في فتح فارس وولي البحرين.
- في خلافة عثمان، كان من المكثرين في تعليم الناس ونشر السنة.
- وفي زمن معاوية، عاش بقية حياته معظّمًا عند الناس.
- في خلافة أبي بكر، شارك في حروب الردة.
-
موقفه مع أمه
من أبرز المواقف المؤثرة في حياته قصة إسلام أمه بعد دعاء النبي ﷺ. فقد أسلمت عقب ذلك، فكانت من أحب النساء إلى قلبه، ودعا النبي ﷺ أن يحبها المؤمنون، فصار لها منزلة كبيرة في قلوب الصحابة.
-
الأحاديث التي تفرّد بها
تفرّد أبو هريرة برواية العديد من الأحاديث التي لم ينقلها غيره، ومنها:
- حديث: «من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟».
- حديث: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حُطت خطاياه».
- حديث: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم».
وهذه الأحاديث وأمثالها ساهمت في بناء الفقه الإسلامي والتربية الروحية للمسلمين.
- حديث: «من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟».
-
وفاته
توفي أبو هريرة سنة 57 أو 59هـ عن عمر يقارب 78 عامًا.
- مكان الوفاة: وادي العقيق.
- دُفن في البقيع.
- صلى عليه أمير المدينة الوليد بن عتبة.
وكانت وصيته: «إذا مت فلا تنوحوا عليّ، وأسرعوا بي».
- مكان الوفاة: وادي العقيق.
-
الدروس والعبر
1. طلب العلم مقدم على الدنيا: ترك التجارة وملازمة النبي ﷺ.
2. أهمية الحفظ والحرص على التدوين: إذ نقل آلاف الأحاديث.
3. التواضع والزهد: عاش فقيرًا رغم ولايته البحرين.
4. أثر الدعاء: قصة إسلام أمه بعد دعاء النبي ﷺ.
5. الإخلاص في العبادة: كثرة الاستغفار والذكر وقيام الليل.
-
الخاتمة
لقد كان أبو هريرة رضي الله عنه أنموذجًا فريدًا للصحابي الذي سخّر حياته كلها لخدمة الإسلام ونقل السنة النبوية. ومن خلاله وصلنا كثير من تعاليم النبي ﷺ، فكان بحق وعاء العلم وحافظ الأمة.
رحمه الله ورضي عنه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.