عبد الرحمن بن عوف(الغني الشاكر وأحد العشرة المبشرين بالجنة)
تعرف على سيرة الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، الغني الشاكر وأحد العشرة المبشرين بالجنة. حياته، إسلامه، تجارته، كرمه، إنفاقه في سبيل الله، ومواقفه مع الرسول ﷺ والخلفاء الراشدين.

-
مقدمة
يعد الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أحد أعظم الشخصيات في التاريخ الإسلامي، فقد جمع بين الغنى والشكر، وبين التجارة والجهاد، وبين الزهد والدنيا، حتى لُقّب بـ "الغني الشاكر". كان من السابقين الأولين إلى الإسلام، ومن العشرة المبشرين بالجنة، شهد مع رسول الله ﷺ الغزوات والمشاهد، وشارك في بناء المجتمع الإسلامي الأول، وظل مثالاً للتاجر الصالح الذي يربط بين الكسب الحلال والإنفاق في سبيل الله.
-
نسب عبد الرحمن بن عوف ونشأته
هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة القرشي، من بني زهرة أخوال النبي ﷺ، ولد بعد عام الفيل بعشر سنوات (43 قبل الهجرة – 581م)، وكان أصغر من الرسول ﷺ بعشر سنوات.
كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو أو عبد الكعبة، لكن النبي ﷺ غيّره إلى "عبد الرحمن". أمه هي الشفاء بنت عوف، وله إخوة منهم الأسود بن عوف. نشأ في مكة بين قومه قريش، واكتسب منذ صغره مهارة التجارة، مما هيأه ليكون واحداً من كبار أثرياء الصحابة فيما بعد.
-
إسلام عبد الرحمن بن عوف
أسلم عبد الرحمن رضي الله عنه مبكراً على يد أبي بكر الصديق، وكان حينها في الثلاثين من عمره. وكان من السابقين الأولين الذين دخلوا الإسلام قبل دار الأرقم.
وقد هاجر هجرتين: الأولى إلى الحبشة هرباً من بطش قريش، والثانية إلى المدينة المنورة حيث آخى النبي ﷺ بينه وبين الصحابي الجليل سعد بن الربيع. وعرض عليه سعد أن يقاسمه ماله وزوجاته، لكنه رفض قائلاً: "بارك الله لك في مالك وأهلك، دلني على السوق"، فبدأ تجارته من الصفر حتى بارك الله له، وأصبح من أغنى أغنياء المسلمين.
-
صفات وأخلاق عبد الرحمن بن عوف
1. العفة والاعتماد على النفس: رفض أن يعيش عالة على غيره رغم حاجته في بداية هجرته.
2. مهارة التجارة: كان ناجحاً في البيع والشراء، حتى قال: "لقد رأيتني لو رفعت حجراً لرجوت أن أجد تحته ذهباً أو فضة".
3. الشجاعة والإقدام: شهد بدر وأحد وجميع الغزوات مع رسول الله ﷺ، وأصيب بجراح خطيرة يوم أحد.
4. الكرم والجود: تصدق بأموال طائلة، منها نصف ماله، وأعتق آلاف العبيد، وأنفق في تجهيز الجيوش.
5. التواضع والزهد: رغم ثرائه الهائل، كان يعيش ببساطة، ويمشي بين عبيده فلا يميّز عنهم.
-
مواقف من حياته مع رسول الله ﷺ
- شارك في غزوة بدر الكبرى، وكان له سهم عظيم فيها.
- في غزوة أحد أصيب بجراحات بالغة، وفقد بعض أسنانه.
- بعثه النبي ﷺ إلى دومة الجندل ففتحها الله عليه وتزوج من تماضر بنت الأصبغ الكلبية.
- كان النبي ﷺ يشيد به، فقد قال: "عبد الرحمن بن عوف في الجنة".
دعت له أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها بقول النبي ﷺ: "اللهم اسق عبد الرحمن من سلسبيل الجنة"
- شارك في غزوة بدر الكبرى، وكان له سهم عظيم فيها.
-
ثروة عبد الرحمن بن عوف وكيف أنفقها
اشتهر رضي الله عنه بثرائه الكبير، فقد بدأ تجارته من الأقط والسمن حتى صار يملك القوافل والخيول والإبل. ترك عند وفاته ثروة عظيمة، قُطّعت منها سبائك الذهب بالفؤوس من كثرتها.
صور من إنفاقه في سبيل الله:
1. تصدق بأربعة آلاف دينار، ثم بأربعين ألفاً، ثم بأربعين ألف دينار أخرى.
2. جهّز خمسمائة فرس للجهاد في سبيل الله، ثم جهّز ألفاً وخمسمائة راحلة.
3. تصدق على أمهات المؤمنين، وباع أرضاً بأربعين ألف دينار وقسمها على الفقراء.
4. أوصى لكل بدري بمبلغ أربعمائة دينار، وكانوا مائة رجل.
5. تبرع بقافلة تجارية كاملة (سبعمائة راحلة) عندما بلغه حديث عائشة رضي الله عنها عن دخوله الجنة حبواً لكثرة ماله.
-
عبد الرحمن بن عوف في عهد الخلفاء الراشدين
- كان من كبار مستشاري الخليفة عمر بن الخطاب، واستشهد برأيه في قضايا كبرى مثل الطاعون والجزية.
- ولاه عمر الحج سنة 23 هـ مع أمهات المؤمنين.
- كان أحد أهل الشورى الستة الذين أوصى بهم عمر لاختيار الخليفة من بعده. وقد تنازل عن الخلافة واختار عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد مشاورة واسعة لأهل المدينة.
- في خلافة عثمان، استُخلف أيضاً على الحج، وظل سنداً للخلافة دون أن يسعى للإمارة أو الزعامة.
- كان من كبار مستشاري الخليفة عمر بن الخطاب، واستشهد برأيه في قضايا كبرى مثل الطاعون والجزية.
-
زهده وخوفه من الحساب
رغم كثرة ماله، كان يخاف أن يكون هذا من تعجيل حسناته في الدنيا. بكى حين قُدّم له الطعام وقال: "قُتل مصعب بن عمير وهو خير مني، وكُفن في بردة قصيرة، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بُسط... إنا نخشى أن تكون حسناتنا عُجّلت لنا".
كان رضي الله عنه شديد التأثر بذكر رسول الله ﷺ، حتى أن مجرد رؤية الطعام تذكّره بجوع النبي وأهله، فيبكي ويترك الأكل.
-
وفاته
توفي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه سنة 32 هـ بالمدينة المنورة في خلافة عثمان بن عفان، وكان عمره 72 سنة تقريباً. دُفن في البقيع، وصلى عليه الخليفة عثمان بن عفان، وقيل الزبير بن العوام.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في جنازته: "اذهب يا ابن عوف، فقد أدركت صفوها وسبقت رنقها". وكان سعد بن أبي وقاص يبكي عند حمل جنازته ويقول: "واجبلاه".
-
الدروس والعبر من حياة عبد الرحمن بن عوف
1. أن الجمع بين المال والورع ممكن إذا كان المال حلالاً، وكان العبد شاكراً لله.
2. أن النجاح التجاري لا يتعارض مع الزهد، فقد كان تاجراً ماهراً، ومع ذلك زاهداً في زخارف الدنيا.
3. أن التواضع هو تاج الغنى، فمع كل ثرائه كان يعيش كأحد عامة الناس.
4. أن الإنفاق في سبيل الله هو أعظم ضمان للبركة في المال.
5. أن حب النبي ﷺ وصحبته أعظم مكسب، وهو ما أدخل عبد الرحمن الجنة مع العشرة المبشرين.
-
خاتمة
يبقى الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه نموذجاً فريداً في التاريخ الإسلامي لرجل جمع بين التجارة الناجحة والإيمان الصادق، وبين الغنى والشكر، وبين الكسب الحلال والإنفاق في سبيل الله. لقد كان بالفعل "الغني الشاكر" الذي أثبت أن المال إذا وُضع في يد مؤمنة زاهدة صار طريقاً إلى الجنة.