حدّ الوجه وما يجب ستره في الصلاة والحجاب(حكم ستر المنطقة تحت الذقن)
تعرف في هذا المقال على الفرق بين الذقن وما تحته في الفقه الإسلامي، وحدّ الوجه الواجب كشفه أو ستره في الصلاة والحجاب، مع الأدلة من القرآن والسنة وأقوال العلماء، وتوضيح عملي لحكم ظهور ما تحت الذقن أثناء الصلاة.
جدول المحتويات
- مقدمة
- التعريف اللغوي والفقهي للذقن
- ما تحت الذقن ليس من الوجه
- حكم كشف الذقن وما تحته في الصلاة
- حكم كشف الذقن وما تحته خارج الصلاة (في الحجاب)
- التفريق العملي بين الذقن وما تحته
- هل تبطل الصلاة بكشف ما تحت الذقن؟
- ضوابط عامة لستر الوجه والذقن في الصلاة والحجاب
- الدقة اللغوية في حدّ الذقن
- تطبيقات فقهية معاصرة
- الخاتمة
-
مقدمة
يُعدّ تحديد حدود الوجه عند المرأة من المسائل الفقهية الدقيقة التي يتوقف عليها الحكم الشرعي في ستر العورة أثناء الصلاة وضوابط الحجاب الشرعي خارجها. وقد تناول العلماء هذه المسألة بتفصيل دقيق، خاصة في تحديد الفرق بين الذقن وما تحته، وهل ما تحت الذقن يُعد من الوجه أم من الرقبة التي يجب سترها؟
في هذا المقال، نعرض المسألة بدقة لغوية وفقهية، مدعومة بالأدلة الشرعية وأقوال المذاهب الأربعة، مع بيان الحكم العملي للمرأة في الصلاة وخارجها.
-
التعريف اللغوي والفقهي للذقن
1. في اللغة:
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (مادة: ذقن):
"الذقن في اللغة هو مجتمع اللحيين من أسفلهما، وهما العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى."
أي أن الذقن هو العظم الناتئ أسفل الوجه مباشرة، حيث يلتقي الفكّان السفليان.
2. في الاصطلاح الفقهي:
عرّف الفقهاء الوجه بأنه ما تحصل به المواجهة، وحدّوه طولًا وعرضًا بحدود دقيقة، قال النووي في المجموع (1/400):
"حد الوجه طولًا: من منابت شعر الرأس المعتاد إلى أسفل الذقن، وعرضًا: من الأذن إلى الأذن."
وعليه، فإن حدّ الوجه ينتهي عند أسفل الذقن، وما تحته ليس من الوجه، بل من الرقبة.
-
ما تحت الذقن ليس من الوجه
اتفق الفقهاء على أن ما تحت الذقن لا يدخل في حد الوجه، بل هو من الرقبة، وقد نص على ذلك جمهور العلماء من المذاهب الأربعة:
· قال ابن قدامة في المغني (1/84):
"الوجه ما تحصل به المواجهة، وحده من منابت الشعر إلى أسفل الذقن."
· وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج (1/35):
"حد الوجه طولًا من منابت شعر الرأس إلى أسفل الذقن، وعرضًا ما بين الأذنين، وما عدا ذلك من الرقبة فهو عورة."
· وأورد ابن عابدين في رد المحتار (1/286):
"أسفل الذقن من الرقبة، لا من الوجه، فوجب ستره على المرأة في الصلاة."
ومن هذه النصوص يتبين أن ما تحت الذقن لا يدخل في حدود الوجه الذي يجوز كشفه، سواء في الصلاة أو أمام الأجانب.
-
حكم كشف الذقن وما تحته في الصلاة
1. الذقن نفسه:
الذقن (أي العظم الناتئ أسفل الوجه) يُعدّ من الوجه، ولذلك يجوز للمرأة أن تكشفه في الصلاة؛ لأنه من المواضع الظاهرة من الوجه.
قال ابن مفلح في الفروع (1/601):"الوجه هو ما تحصل به المواجهة، ومنه الذقن، لا ما تحته."
2. ما تحت الذقن:
أما المنطقة التي تحت الذقن مباشرة (التجويف أو الفراغ بين الذقن والعنق) فهي من الرقبة، وبالتالي يحرم كشفها في الصلاة عمدًا لأنها من العورة.
قالت لجنة الفتوى بموقع الإسلام سؤال وجواب (فتوى رقم 121534):"أسفل الذقن ليس من الوجه، فلا يجوز كشفه في الصلاة، ويجب ستره، لأنه من الرقبة."
لكن إن ظهر يسير من هذه المنطقة بغير قصد — مثلًا عند السجود أو أثناء الحركة — فالصلاة صحيحة، لأنه من اليسير المعفوّ عنه عرفًا، كما قرر الفقهاء أن ما يظهر بغير قصد ولم يفحش لا يفسد الصلاة.
-
حكم كشف الذقن وما تحته خارج الصلاة (في الحجاب)
فيما يتعلق بالحجاب الشرعي، فإن الحكم هو نفسه:
- يجوز كشف الوجه، ومنه الذقن.
- ولا يجوز كشف ما تحت الذقن لأنه من الرقبة، وهي عورة يجب سترها أمام الأجانب.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2/160):
"الذقن من الوجه، أما ما تحته فليس منه، فلا يجوز كشفه؛ لأنه من الرقبة."
وهذا ما عليه جمهور الفقهاء؛ إذ يعدّون الرقبة وما تحت الذقن من العورة التي يجب سترها بالحجاب الكامل.
- يجوز كشف الوجه، ومنه الذقن.
-
التفريق العملي بين الذقن وما تحته
يمكن التمييز بينهما عمليًا بهذه الطريقة:
المنطقة
الحكم الشرعي
التعليل
الذقن (مجتمع اللحيين)
من الوجه، يجوز كشفه
لأنه مما تحصل به المواجهة
ما تحت الذقن مباشرة (الفراغ المقعر بين الذقن والعنق)
من الرقبة، يجب ستره
لأنه خارج حد الوجه
الرقبة وما يليها إلى النحر
عورة بالإجماع
لأنها ليست من الوجه ولا الكفين
-
هل تبطل الصلاة بكشف ما تحت الذقن؟
إذا انكشف جزء يسير من أسفل الذقن بغير قصد أثناء الصلاة، فلا تبطل الصلاة، لأن العبرة بالعُرف والقدر اليسير المعفوّ عنه.
قال الفقهاء:“ولا تبطل الصلاة بكشف يسير لا يفحش في النظر عرفًا.”
(الفروع لابن مفلح 1/601).أما إذا كان الكشف عمدًا أو على نحو فاحش، وجب ستره وإعادة الصلاة.
-
ضوابط عامة لستر الوجه والذقن في الصلاة والحجاب
1. الوجه في الصلاة: يجوز كشفه للمرأة بالإجماع، إلا إذا خيفت الفتنة.
2. ما عدا الوجه والكفين: عورة يجب سترها.
3. الذقن من الوجه، أما ما تحته فمن الرقبة، فيجب ستره.
4. ستر العورة شرط لصحة الصلاة، والكشف اليسير غير المقصود معفوّ عنه.
5. في الحجاب، المطلوب تغطية كل ما عدا الوجه والكفين إلا عند خوف الفتنة.
-
الدقة اللغوية في حدّ الذقن
الذقن هو الجزء الصلب الناتئ أسفل الشفة السفلى مباشرة، أما ما تحته من تجويف أو منطقة لينة قبل العنق، فهي من الرقبة.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات:“الذقن مجتمع اللحيين، وأصله من ذَقَنَ الشيءُ إذا استوى واستقام.”
وعلى هذا الأساس، فحد الوجه الشرعي ينتهي عند أسفل الذقن الصلب، ولا يشمل ما تحته.
-
تطبيقات فقهية معاصرة
1. عند الوضوء، يجب إيصال الماء إلى أسفل الذقن لأنه من الوجه، ولا يجب غسله تحت الذقن لأنه من الرقبة.
2. في الحجاب، يجب أن يغطي الخمار أسفل الذقن بإحكام حتى لا يظهر التجويف الذي تحت العظم.
3. في الصلاة، يُستحب أن يكون الخمار محكمًا على الذقن بحيث لا يتحرك عند السجود.
-
الخاتمة
إن معرفة الحدّ الفقهي للوجه والذقن من دقائق الفقه التي تحتاجها المرأة المسلمة لتصح عبادتها وحجابها. وقد أجمع الفقهاء على أن الذقن جزء من الوجه، أما ما تحته فهو من الرقبة يجب ستره في الصلاة وخارجها.
والمؤمنة الواعية تحرص على تطبيق هذا العلم بدقة، التزامًا بأمر الله تعالى في قوله:﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33].
فستر المرأة زينتها وحفظ عفافها دليل على تقواها وامتثالها، قال تعالى:
﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ [الأحزاب: 59].