هل تجب نفقة المخطوبة على الخاطب؟ الأحكام الشرعية والتفصيلات الفقهية
تتناول هذه المقالة الحكم الشرعي في نفقة المخطوبة، مع بيان الفروق بين حالتي الخطبة، وأقوال الفقهاء، ومناقشة سبب الخلاف الفقهي، بالإضافة إلى أمثلة واقعية توضح المسألة، بما يثري الفهم الشرعي للمقبلين على الزواج.

-
مقدمة
من الأسئلة المتكررة في المجتمع الإسلامي، خصوصًا عند فترة الخطوبة، ما يتعلق بحقوق المرأة خلال هذه المرحلة، ومن أبرز هذه الأسئلة: هل تجب النفقة على الخاطب لمخطوبته؟
للإجابة الدقيقة عن هذا السؤال لا بد من التفريق بين حالتين شائعتين يُطلق عليهما في بعض الأعراف لفظ "مخطوبة"، لكن حكم كل حالة يختلف شرعًا. -
التفريق بين حالتي الخطوبة
1. الخطبة بدون عقد شرعي:
ويقصد بها الحالة التي يتم فيها الاتفاق بين الطرفين على نية الزواج مستقبلًا دون إجراء عقد زواج رسمي أو شرعي.
· الحكم الشرعي:
في هذه الحالة، لا تجب النفقة على الخاطب لمخطوبته، لأنها أجنبية عنه شرعًا، والخطبة ليست إلا وعدًا بالزواج وليست عقدًا ملزمًا.· القاعدة الفقهية:
"النفقة لا تجب إلا بعقد الزواج الصحيح وتمكين الزوجة من نفسها".2. العقد الشرعي دون الدخول:
ويقصد بها الحالة التي يتم فيها عقد الزواج الشرعي، ولكن الزوجة لا تزال في بيت أهلها ولم تُزف إلى بيت زوجها.
- موضع الخلاف الفقهي:
في هذه الحالة، اختلف الفقهاء في وجوب النفقة، وظهرت ثلاثة مذاهب رئيسية، لكل منها دليله وأصوله الفقهية.
- موضع الخلاف الفقهي:
-
آراء الفقهاء في وجوب نفقة المعقود عليها قبل الدخول
المذهب الأول: النفقة تجب بالتمكين
وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية، والحنابلة، والشافعية في القديم، وبعض الحنفية.
· تفصيل القول:
- المالكية قالوا إن مجرد دعوة الزوجة للدخول يكفي لوجوب النفقة، ولو لم تدخل فعليًا.
- الشافعية والحنابلة اشترطوا التمكين الحقيقي من الزوجة، أي دخولها وتمكينها التام للزوج، فإن امتنعت أو تأخرت فلا نفقة لها.
· أدلة الجمهور:
- من "مواهب الجليل": "المرأة إذا مكنت من نفسها فإنه يجب لها النفقة"
- من "الشرح الكبير": "يجب لممكنة من نفسها النفقة"
- من "الإقناع": "نفقة الزوجة الممكنة من نفسها واجبة"
- من "مغني المحتاج": "إذا سلمت نفسها إلى الزوج فلها جميع حاجتها"
المذهب الثاني: النفقة تجب بمجرد العقد
وهو قول الحنفية:
يرون أن النفقة تجب على الزوج بمجرد تمام العقد، ولو لم تنتقل الزوجة بعد إلى بيت الزوجية.- دليلهم:
- لأن المرأة أصبحت زوجة شرعًا، ويترتب على هذا الزواج أحكامه، ومنها النفقة.
المذهب الثالث: النفقة تجب بالعقد وتستقر بالتمكين
وهو قول قديم للشافعية:
وفيه توسط بين القولين السابقين، حيث تُعتبر النفقة واجبة من حين العقد، لكنها لا تستقر إلا بعد التمكين. - المالكية قالوا إن مجرد دعوة الزوجة للدخول يكفي لوجوب النفقة، ولو لم تدخل فعليًا.
-
سبب الخلاف الفقهي
يكمن السبب في تحديد العلة الموجبة للنفقة:
- الحنفية: يرون أن السبب هو الاحتباس لحق الزوج.
- الجمهور: يرون أن السبب هو الزوجية الكاملة والتمكين.
- الحنفية: يرون أن السبب هو الاحتباس لحق الزوج.
-
تطبيقات وأمثلة واقعية
مثال 1:
رجل عقد على زوجته رسميًا وشرعيًا، ثم طلب منها الانتقال إلى بيته لكنها رفضت لأسباب تخصها، في هذه الحالة ووفقًا للجمهور، لا تجب النفقة لأنها لم تمكنه من نفسها.
مثال 2:
شاب عقد على خطيبته، واتفقت العائلتان على تأخير الدخول لظروف مادية، ولم يطلب الزوج الدخول أو التمكين، فهل تجب النفقة؟
- حسب المالكية، نعم، إذا دعاها للدخول.
- حسب الشافعية والحنابلة، لا، لأنها لم تُمكنه بعد.
- حسب الحنفية، نعم، لأنها أصبحت زوجة بعقد شرعي.
- حسب المالكية، نعم، إذا دعاها للدخول.
-
خلاصة القول في المسألة
- إن كانت الخطبة بلا عقد شرعي، فلا نفقة تجب لأنها أجنبية.
- إن كان هناك عقد شرعي، فالمسألة خلافية:
- جمهور الفقهاء: النفقة مشروطة بالتمكين التام.
- الحنفية: النفقة تجب بمجرد العقد.
- الشافعية في القديم: تجب بالعقد وتستقر بالتمكين.
- إن كانت الخطبة بلا عقد شرعي، فلا نفقة تجب لأنها أجنبية.
-
الخاتمة
تجب مراعاة الفرق بين الزواج الشرعي والخطبة الاجتماعية، إذ أن كثيرًا من الخلافات تنشأ من عدم الفهم الدقيق للحدود الشرعية لكل مرحلة. ومن المستحسن توضيح مثل هذه الأمور ضمن اتفاقات مسبقة بين الطرفين، حتى يُرفع الخلاف وتحفظ الحقوق. وفي النهاية، تبقى النفقة حقًا شرعيًا للزوجة، لكن استحقاقه يتوقف على تحقق شروطه الشرعية، التي بيناها في ضوء المذاهب الفقهية.