حق الزوجة على زوجها في الفراش – دراسة فقهية واجتماعية

"تعرف على حق الزوجة على زوجها في الفراش في الإسلام، مع أقوال الفقهاء وأدلة القرآن والسنة، وأثر إهمال هذا الحق على الأسرة والمجتمع، وأهم الآداب الشرعية في العلاقة الزوجية."

حق الزوجة على زوجها في الفراش – دراسة فقهية واجتماعية
حق الزوجة على زوجها في الفراش
  • مقدمة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    لقد جاء الإسلام بتشريع متوازن يراعي الفطرة الإنسانية ويصون الحقوق الزوجية، فجعل العلاقة بين الزوجين مبنية على المودة والرحمة، قال تعالى:
    ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].

    ومن أبرز هذه الحقوق التي قررها الشرع: حق الزوجة على زوجها في الفراش، وهو حق أصيل لا يقل أهمية عن النفقة والكسوة والسكن، بل قدّمه بعض العلماء على غيره؛ لما فيه من إعفاف الزوجة وحمايتها من الانحراف، ولما يترتب عليه من دوام الألفة واستقرار الحياة الزوجية.

  • معنى حق الزوجة في الفراش

    حق الزوجة في الفراش يعني استمتاعها بزوجها وقضاء حاجتها الجنسية بالمعروف، بما يحقق العفة للطرفين، ويمنع الضرر عن الزوجة كما يمنعه عن الزوج. وقد دلّ على هذا قوله ﷺ:
    «فإن لزوجك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً» (رواه البخاري ومسلم).

    فالجماع ليس مجرد شهوة، بل هو عبادة إذا اقترنت بالنية الصالحة، إذ فيه إعفاف للنفس، وحفظ للعرض، وطلب للذرية الصالحة.حق الزوجة في الفراش يعني استمتاعها بزوجها وقضاء حاجتها الجنسية بالمعروف، بما يحقق العفة للطرفين، ويمنع الضرر عن الزوجة كما يمنعه عن الزوج. وقد دلّ على هذا قوله ﷺ:

    «فإن لزوجك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً» (رواه البخاري ومسلم).

    فالجماع ليس مجرد شهوة، بل هو عبادة إذا اقترنت بالنية الصالحة، إذ فيه إعفاف للنفس، وحفظ للعرض، وطلب للذرية الصالحة. 

  • مكانة هذا الحق في الإسلام

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    "
    يجب على الزوج أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها" (مجموع الفتاوى 32/271).
    وبيّن أن مقدار الواجب يختلف باختلاف حاجة الزوجة وقدرة الزوج.

    وهذا يوضح أن الإسلام لا ينظر إلى العلاقة الخاصة نظرة دنيوية بحتة، بل يعدّها من الحقوق التي يُسأل عنها الزوج، كما يُسأل عن النفقة والرعاية.

  • أقوال الفقهاء في مقدار الواجب

    اختلف الفقهاء في تحديد الحد الأدنى لحق الزوجة في الوطء، وتنوّعت أقوالهم على النحو الآتي:

    1.    الحنفية وبعض الشافعية
    قالوا: يجب على الزوج أن يطأ زوجته إذا طلبت ذلك، ويجبر على ذلك قضاءً مرة واحدة فقط، أما فيما عدا ذلك فهو واجب ديانة بينه وبين الله.

    2.    الشافعية (المشهور)
    ذهبوا إلى أنه لا يجب على الزوج جماع زوجته، وإنما يكره له تركه؛ لأنه سبب في فسادها، فالمطلوب أن لا يهمل هذا الجانب حفاظاً على استقرار العلاقة.

    3.    الحنابلة
    قالوا: يجب على الزوج أن يطأ زوجته مرة واحدة على الأقل كل أربعة أشهر، استناداً إلى قوله تعالى في شأن الإيلاء:
    ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ [البقرة: 226].
    فجعلوا هذه المدة فاصلاً لا يجوز للزوج تجاوزه دون حق مشروع.

    4.    المالكية
    رأوا أن الوطء واجب بحسب طاقة الزوج وظروفه، فإن شكت الزوجة قلّة جماع زوجها، قُضي لها بليلة واحدة من كل أربع ليال.

    والخلاصة: أن أرجح الأقوال هو أن مقدار الواجب يتحدد بحسب حاجة الزوجة وقدرة الزوج، وهو ما رجحه ابن تيمية وغيره من المحققين.

  • الحكمة من تشريع حق الفراش

    • إعفاف الزوجة وصونها من الفتنة والانحراف.
    • تحقيق السكن النفسي والمودة بين الزوجين.
    • استمرار الحياة الزوجية على أساس من الرحمة والرضا.
    • طلب الذرية الصالحة امتثالاً لقول النبي ﷺ:
      «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» (رواه أبو داود والنسائي).
  • آداب أداء حق الفراش

    لم يترك الإسلام العلاقة الخاصة دون تهذيب، بل أرسى لها آداباً نبيلة، منها:

    • الاستعاذة عند الجماع، كما في الحديث:
      «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا» (رواه البخاري ومسلم).
    • التزين للزوجة، كما كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول:
      "
      إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي".
    • النظافة والتطيب قبل اللقاء.
    • المداعبة واللين في الكلام والمعاشرة، تأسياً بالنبي ﷺ الذي كان أرفق الناس بأهله.
  • حكم امتناع الزوج عن أداء هذا الحق

    إذا امتنع الزوج عن حق زوجته في الفراش بغير عذر، فقد ظلمها وضيّع من حقوقها ما لا يسعه شرعاً، بل يجوز لها رفع أمرها إلى القضاء الشرعي للمطالبة بحقها، وقد نص الفقهاء على أن الزوج إذا ترك الوطء إضراراً بزوجته كان آثماً، ويعامل معاملة المولِي.

  • مقارنة بين حق الزوج وحق الزوجة في الفراش

    كما أن للزوجة حقاً في الفراش، فللزوج أيضاً حق على زوجته في ذلك، قال ﷺ:
    «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح» (متفق عليه).
    وهذا يوضح أن الإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة في هذا الجانب، بل جعل العلاقة تكاملاً وتبادلاً للحقوق، يقوم على العفة والرضا.

  • الأبعاد الاجتماعية لحق الفراش

    • يؤدي إهمال هذا الحق إلى فتور العلاقة الزوجية وكثرة الخلافات.
    • قد يدفع بعض الأزواج أو الزوجات –عياذاً بالله– إلى البحث عن الإشباع بطرق غير مشروعة.
    • الالتزام به يعزز الاستقرار الأسري، ويجعل البيت المسلم أكثر مودة ورحمة.
  • أثر التفريط في حق الزوجة على الأسرة والمجتمع

    التقصير في حق الزوجة في الفراش ليست مسألة شخصية فحسب، بل يترتب عليها آثار خطيرة:

    • تفكك الأسرة: إذ قد تشعر الزوجة بالحرمان والخذلان، مما يولّد فجوة عاطفية بينها وبين زوجها.
    • كثرة النزاعات الزوجية: الحرمان من هذا الحق يُضعف التواصل ويزيد التوتر، وقد يؤدي إلى الطلاق.
    • انحراف السلوك: في بعض الحالات قد يدفع الإهمال أحد الزوجين إلى البحث عن الإشباع بطرق غير شرعية، مما يعرّض المجتمع للانحراف والفساد.
    • فقدان السكن النفسي: وهو الهدف الأساسي من الزواج كما ورد في القرآن الكريم: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ [الروم: 21].
  • حق الفراش بين فقه النصوص وفقه الواقع

    من جمال الشريعة الإسلامية أنها لا تفصل بين النصوص والواقع، بل توازن بينهما:

    • فمن جهة النصوص، جاءت الآيات والأحاديث مؤكدة على حق الزوجة في الوطء.
    • ومن جهة الواقع، فإن حاجات النساء تختلف باختلاف الطبائع والأعمار والظروف الصحية، وكذلك قدرات الرجال تتفاوت.

    ولهذا رجّح العلماء أن معيار الوجوب هو حاجة الزوجة مع قدرة الزوج، وهو قول وسط يراعي المصلحة ويدفع الضرر.

  • التوازن بين العبادة وحق الزوجة

    قد ينشغل بعض الأزواج بالعبادات على حساب حق الزوجة، كما حصل مع الصحابي عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فلما بلَغ النبي ﷺ خبره قال له:
    «فإن لزوجك عليك حقاً» (رواه البخاري).

    وهذا دليل على أن العبادة لا تعني إهمال الحقوق، بل إن إعفاف الزوجة نفسه عبادة يؤجر عليها المسلم، كما جاء في الحديث:
    «وفي بضع أحدكم صدقة» (رواه مسلم).

  • نصائح عملية للزوجين في أداء حق الفراش

    • على الزوج أن يراعي مشاعر زوجته وأن يهيئ الجو المناسب لهذا اللقاء باللين والمداعبة.
    • على الزوجة أن تستقبل زوجها برضا ولطف، وتدرك أن هذا اللقاء سبب في زيادة الألفة والمودة.
    • ينبغي للطرفين أن يحرصا على النظافة الشخصية والتزين بما يحب الطرف الآخر.
    • استحضار النية الصالحة عند اللقاء، بأن يكون الهدف إعفاف النفس وطلب الذرية الصالحة.
    • تجنب الأنانية في المعاشرة، بل يكون القصد إرضاء كل طرف للآخر.
  • الخاتمة

    حق الزوجة على زوجها في الفراش من أعظم الحقوق الزوجية التي جاء بها الإسلام، وهو ليس مجرد علاقة جسدية، بل رابطة روحية وعاطفية تعزز المودة وتعمق الاستقرار الأسري. وقد أجمع العلماء على وجوبه، واختلفوا في تحديد مقداره، والراجح أنه يتبع حاجة الزوجة وقدرة الزوج.

    إن أداء هذا الحق بالمعروف يحقق أهداف الزواج الشرعية من السكن والمودة والرحمة، ويُحصّن الزوجة والزوج من الانحراف، ويجعل العلاقة بينهما عبادة يتقربان بها إلى الله. وعلى الزوجين أن يدركا أن هذا الحق متبادل، وأن المحافظة عليه هي سر السعادة الزوجية ودوام العشرة بالمعروف.

    قال تعالى:
    ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].