البدعة الحسنة والاحتفال بالمولد النبوي
تعرف على حكم البدعة الحسنة في الإسلام وآراء العلماء حول الاحتفال بالمولد النبوي، مع عرض الأدلة والردود، وبيان الرأي الراجح والرؤية الوسطية الدعوية.

-
مقدمة
تُعَدّ مسألة البدعة الحسنة في الإسلام من المسائل التي شغلت بال العلماء قديماً وحديثاً، وذلك لما لها من ارتباط وثيق بموضوع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. فقد انقسمت الآراء بين من اعتبر كل بدعة ضلالة لا استثناء فيها، وبين من أجاز بعض البدع ووصفها بـ"الحسنة"، محتجّاً بجملة من النصوص والمقاصد الشرعية.
في هذه المقالة سنعرض أقوال العلماء بالتفصيل، مع أدلتهم، ثم نناقش الردود، وصولاً إلى الرأي الراجح، مع تقديم رؤية وسطية عملية ترى في المولد النبوي وسيلة دعوية للتعريف بسيرة النبي ﷺ لا عبادة محدثة.
-
موقف جمهور العلماء (المانعون للبدعة الحسنة)
يرى جمهور العلماء ومنهم السلف الصالح والأئمة الأربعة أن البدعة كلها مذمومة، وأنه لا وجود لما يسمى "بدعة حسنة" في الدين.
أدلة الجمهور
1. النصوص الشرعية الصريحة:
o قول النبي ﷺ: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ».
o وقوله ﷺ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ».
2. القاعدة الأصولية: الأصل في العبادات التوقيف، فما لم يشرعه الله ورسوله فهو مردود.
3. المعنى الشرعي للبدعة: كل ما خالف ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه.
4. عمل السلف: لم يحتفل الصحابة ولا التابعون بالمولد النبوي، مع أنهم أشد الناس حباً له.
خلاصة قولهم
الاحتفال بالمولد النبوي بدعة ضلالة لأنه:
- عبادة لم يشرعها النبي ﷺ.
- تشبه بأهل الكتاب.
- وسيلة للغلو والمنكرات.
- عبادة لم يشرعها النبي ﷺ.
-
موقف المجوزين للبدعة الحسنة
ذهب فريق من العلماء إلى القول بوجود بدعة حسنة، بل أجاز بعضهم المولد النبوي في هذا الإطار. ومن أبرز من قال بذلك الإمام الشافعي، النووي، والعز بن عبد السلام.
أدلتهم
1. تقسيم البدعة إلى الأحكام الخمسة: مستندين إلى قول عمر بن الخطاب: «نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ» عند جمع الناس لصلاة التراويح.
2. تأويل النصوص: «كل بدعة ضلالة» تُحمل على البدعة السيئة فقط.
3. المقاصد الشرعية: الفرح بالنبي ﷺ، وشكر الله على بعثته.
4. المصالح المرسلة: كجمع القرآن وبناء المدارس.
خلاصة قولهم
المولد النبوي بدعة حسنة بشرط:
- خلوه من المنكرات.
- قصد نشر السيرة وتعظيم الرسول ﷺ.
- عدم اعتقاد سنيته أو وجوبه.
- خلوه من المنكرات.
-
ردود الجمهور على القول بالبدعة الحسنة
1. قول عمر «نعمت البدعة» يقصد به البدعة اللغوية لا الشرعية، لأن التراويح سنة.
2. النصوص العامة لا تصلح لتشريع عبادات جديدة.
3. فتح باب "البدعة الحسنة" ذريعة لتغيير الدين.
4. التمييز بين العبادات والعادات: المولد من باب العبادات، بخلاف جمع القرآن أو بناء المدارس.
-
الرأي الراجح
الراجح – والله أعلم – هو أن كل بدعة في الدين ضلالة، ولا يوجد ما يسمى "بدعة حسنة" في مجال العبادات.
والاحتفال بالمولد النبوي من هذا الباب، إذ لم يفعله النبي ﷺ ولا الصحابة الكرام. -
الرؤية الوسطية الدعوية
مع التسليم برأي الجمهور، إلا أن بعض العلماء المعاصرين رأوا أنه يمكن النظر إلى المولد النبوي باعتباره وسيلة دعوية لا عبادة، وذلك وفق الضوابط:
- عدم اعتباره جزءاً من الدين أو شعيرة.
- أن يكون خالياً من المخالفات.
- أن يُستثمر في تعريف الأجيال بسيرة النبي ﷺ ومحبته.
- التنبيه أن ترك الاحتفال لا ينقص من الإيمان ولا من المحبة، فالمعيار هو الاتباع لا مجرد المظاهر.
بهذا يكون المولد النبوي باباً للخير والدعوة إذا وُظّف بشكل صحيح، لا على أنه عبادة مستقلة، وإنما كوسيلة معاصرة للتربية والتذكير.
- عدم اعتباره جزءاً من الدين أو شعيرة.
-
الخاتمة
خلاصة القول أن البدعة في الشرع مذمومة مطلقاً، وأن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة محدثة من حيث الأصل. لكن من نظر إليه كوسيلة دعوية معاصرة لا كعبادة، ورآه فرصة لتعريف الناس بالنبي ﷺ وسيرته، فقد أخذ برأي معتبر.
والمعيار في النهاية هو الاتباع لا الابتداع، قال تعالى:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31].