الحكمة من عدم مشروعية رَمَل المرأة في الطواف والسعي

تعرف على الحكمة من عدم مشروعية رَمَل المرأة في الطواف والسعي بين الصفا والمروة، مع أقوال العلماء والأدلة الشرعية، وبيان الفروق بين الرجال والنساء في أداء المناسك، وفق فتاوى المذاهب الفقهية المعتبرة.

الحكمة من عدم مشروعية رَمَل المرأة في الطواف والسعي
الحكمة من عدم مشروعية رَمَل المرأة في الطواف والسعي
  • مقدمة

    من أعظم شعائر الإسلام التي يتقرب بها المسلمون إلى الله تعالى الحج والعمرة، وقد شرع الله عز وجل فيهما أعمالًا مخصوصة على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، منها السعي بين الصفا والمروة و الطواف بالبيت العتيق. ومن السنن التي خص بها الرجال دون النساء الرَّمَل، وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى وتحريك المنكبين.

    يثار التساؤل: لماذا لا يشرع الرمل في حق النساء مع أن أصله مأخوذ من سعي هاجر رضي الله عنها؟ في هذه المقالة سنعرض الحكمة الشرعية والفقهية من ذلك، مستندين إلى الأدلة من السنة النبوية وأقوال العلماء، مع إبراز الأبعاد المقاصدية التي تؤكد عدل الشريعة وتوازنها.

  • تعريف الرمل لغة واصطلاحًا

    • الرمل لغةً: هو الهرولة أو الإسراع في المشي مع تحريك المنكبين، دون قفز أو وثب. وقد جاء في "لسان العرب": رَمَلَ الرجلُ يَرْمُلُ رَمَلًا إذا أسرع في مشيه وهز منكبيه.
    • الرمل اصطلاحًا عند الفقهاء: هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، وهو دون الجري وفوق المشي المعتاد.

    وبذلك، فإن الرمل يختلف عن السعي السريع (الخبب) إذ هو حركة معتدلة مقصودة لإظهار القوة والنشاط.

  • مشروعية الرمل في السعي والطواف

    ٠

    الرمل سنة مؤكدة للرجال في موضعين:

    1.   في الطواف: حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم، إظهارًا لقوة المسلمين أمام المشركين الذين قالوا: قد وهنتهم حمى يثرب.

    2.   في السعي بين الصفا والمروة: حيث ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى هرولةً بين العلمين الأخضرين، وكان ذلك سنة باقية للرجال.

  • الحكمة من تشريع الرمل للرجال

    • إظهار القوة والجلد: كان تشريعه في الأصل ردًا على قول المشركين بأن المسلمين ضعفت أجسادهم بسبب المرض، فكان الرمل دليلاً على نشاطهم وقوتهم.
    • إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم: فقد فعله وأمر به أصحابه، فصار سنة متبعة.
    • رمزية العزة والشجاعة: في الرمل معنى الاستعلاء المعنوي والقدرة الجسدية، وهو ما يليق بالرجال الذين هم أهل القتال والدفاع عن الدين.
  • سبب عدم مشروعية الرمل للنساء

    1- الإجماع الفقهي

    أجمع العلماء من مختلف المذاهب على أن المرأة لا ترمل في الطواف ولا في السعي، بل تمشي مشيًا معتادًا. قال الإمام ابن المنذر:

    "أجمعوا على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين الصفا والمروة".

    2- المقاصد الشرعية المتعلقة بالمرأة

    • الستر والعفاف: الرمل يتطلب حركة سريعة قد تؤدي إلى التكشف أو ظهور ما يجب ستره، وهذا يتنافى مع مقصد الشريعة في صيانة المرأة.
    • ضعف البنية الجسدية غالبًا: الإسراع قد يرهق المرأة أو يعرضها للسقوط، والشريعة لا تكلفها بما يشق عليها.

    3- اختلاف الغاية بين الرجال والنساء

    • الرجال مأمورون بإظهار القوة والجلد في مواجهة العدو.
    • النساء غير مطالبات بذلك، بل مقصودهن الستر والوقار.
  • الحكمة من ارتباط السعي بهاجر رضي الله عنها مع منع النساء من الرمل

    قد يبدو للبعض أن هناك تعارضًا، إذ أن أصل مشروعية السعي مأخوذ من هرولة هاجر رضي الله عنها بين الصفا والمروة، فلماذا لا يشرع للنساء كذلك؟

    • الجواب أن فعل هاجر رضي الله عنها كان خاصًا بحالتها حيث كانت تبحث عن الماء لابنها إسماعيل عليه السلام.
    • أما في حق عموم النساء، فقد جاءت الشريعة بما يناسب مقامهن ويصونهن.
    • فالأصل مأخوذ من هاجر رضي الله عنها، لكن تطبيقه على الرجال فقط جاء لحِكَم تتعلق بمقاصد الشرع في العفة والستر.
  • أقوال العلماء في الحكمة من المنع

    • قال ابن قدامة: لأن الأصل فيهما إظهار الجلد، ولا يقصد ذلك في حق النساء، ولأن النساء يقصد فيهن الستر، وفي الرمل والاضطباع تعرض للتكشف.
    • قال السرخسي: المرأة ليست من أهل القتال لتظهر الجلادة من نفسها، ولا يؤمن أن يبدو شيء من عورتها في رملها وسعيها.
    • قال الجصاص: الرمل والسعي ربما بدا فيهما ما حكمه أن يستر، والنساء مأمورات بالستر.
  • التطبيق العملي للنساء في الطواف والسعي

    • في الطواف: تمشي المرأة مشيًا معتادًا دون هرولة.
    • في السعي بين الصفا والمروة: كذلك تمشي بخطوات طبيعية، حتى بين العلمين الأخضرين.
    • النية: تحصل لها أجر السعي الكامل، ولو لم ترمل، إذ أن الشريعة لم تكلفها به ابتداءً.
  • الخاتمة

    إن الحكمة من عدم مشروعية الرمل للمرأة في الطواف والسعي تعكس عظمة الشريعة الإسلامية في مراعاة الفروق الفطرية بين الرجال والنساء. فقد شُرع الرمل للرجال لإظهار القوة والجلد، بينما نُهيت عنه النساء محافظةً على سترهن وصيانتهن. وهذا من تمام عدل الشريعة وكمال حكمتها، إذ وضعت كل حكم في موضعه بما يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة.