الصحابي الذي اهتز عرش الرحمن لوفاته: سعد بن معاذ رضي الله عنه
من هو الصحابي الذي اهتز عرش الرحمن لوفاته؟ دراسة موثقة في سيرة سعد بن معاذ رضي الله عنه، مع بيان معنى اهتزاز العرش، ومناقبه، ومكانته في الإسلام.
جدول المحتويات
- مقدمة
- من هو سعد بن معاذ رضي الله عنه؟
- إسلام سعد بن معاذ وأثره الاستراتيجي في الدعوة
- سعد بن معاذ في بدر… موقف يصنع التاريخ
- إصابة سعد في غزوة الخندق ودعاؤه الخالد
- حكم سعد في بني قريظة وموافقته لحكم الله
- وفاة سعد بن معاذ وبكاء النبي ﷺ عليه
- النصوص الصحيحة في اهتزاز عرش الرحمن
- أقوال العلماء في معنى اهتزاز العرش
- فضائل أخرى لسعد بن معاذ
- الخاتمة
- المصادر والمراجع
-
مقدمة
تزخر السيرة النبوية بسير رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فخلّدهم القرآن والسنة، وجعلهم نماذج خالدة في الإيمان والجهاد والقيادة. غير أن التاريخ الإسلامي لم يشهد حادثة أعظم دلالة على علو المنزلة ورفعة المقام من حادثة اهتزاز عرش الرحمن لموت عبدٍ من عباد الله، وهو الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه.
هذه الحادثة لم ترد في كتب السيرة على سبيل الاستئناس أو المبالغة، بل ثبتت بنصوص صحيحة متواترة في أصح كتب السنة، مما يجعلها قضية عقدية وسيرية في آن واحد، تستوجب الفهم المنضبط بعيدًا عن التأويل الفاسد أو الفهم السطحي. -
من هو سعد بن معاذ رضي الله عنه؟
هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس الأنصاري الأوسي، سيد بني عبد الأشهل، وأحد أعلام الأنصار، وأحد كبار القادة في المجتمع المدني الناشئ بعد الهجرة.
قال الذهبي رحمه الله:
«السيد الكبير، الشهيد، أحد السابقين، أبو عمرو الأنصاري البدري، اهتز لموته عرش الرحمن، ومناقبه مشهورة في الصحاح والسير»
سير أعلام النبلاء -
إسلام سعد بن معاذ وأثره الاستراتيجي في الدعوة
أسلم سعد رضي الله عنه على يد مصعب بن عمير رضي الله عنه قبل الهجرة، وكان لإسلامه أثرٌ تحولي في مسار الدعوة بالمدينة؛ إذ كان سيدًا مطاعًا في قومه.
روى أهل السير أنه قال لقومه:
«إن كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله»
فما أمسى ذلك اليوم، وفي بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلم.وهنا تتجلى القيادة الإيمانية التي جمعت بين المكانة الاجتماعية والصدق العقدي، وهو ما جعل سعدًا أحد أعمدة الدولة الإسلامية الناشئة.
-
سعد بن معاذ في بدر… موقف يصنع التاريخ
نصرة سعد بن معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر عند خروج النبي ﷺ إلى بدر، استشار الصحابة، فكان موقف سعد بن معاذ رضي الله عنه من أعظم مواقف النصرة والولاء.
قال رضي الله عنه:
«قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد…»
رواه ابن إسحاق، وصححه أهل السير.وقد سرَّ النبي ﷺ بهذا القول سرورًا بالغًا، ومضى إلى بدر مطمئن القلب.
-
إصابة سعد في غزوة الخندق ودعاؤه الخالد
في غزوة الخندق، رُمي سعد رضي الله عنه بسهم أصاب الأكحل (عرق في الذراع)، وكان الجرح خطيرًا.
فقال داعيًا:
«اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة»
رواه ابن إسحاق بسند صحيح.فاستجاب الله له، فكان له ما تمنى: الحكم في بني قريظة، ثم الشهادة.
-
حكم سعد في بني قريظة وموافقته لحكم الله
بعد خيانة بني قريظة ونقضهم العهد، ارتضوا حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، لما كان بينهم وبينه من حلف قديم.
فحكم فيهم:
«أن تُقتل مقاتلتهم، وتُسبى ذراريهم، وتُقسم أموالهم».
فقال النبي ﷺ:
«لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات»
رواه البخاري ومسلم.وهذا النص من أعظم ما ورد في تزكية اجتهاد الصحابي، وبيان موافقته للوحي.
-
وفاة سعد بن معاذ وبكاء النبي ﷺ عليه
بعد الحكم، انتقض جرح سعد، فمات رضي الله عنه شهيدًا، وكان عمره سبعًا وثلاثين سنة.
روى أهل السير أن النبي ﷺ:
بكى عليه حتى تحادرت دموعه على لحيته.
وهذا يدل على عظم المحبة والمكانة، مع أن النبي ﷺ كان أملك الناس لنفسه.
-
النصوص الصحيحة في اهتزاز عرش الرحمن
ثبت في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال:
«سمعت النبي ﷺ يقول: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ»
رواه البخاري (3803) ومسلم (2466).وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
«والمراد باهتزاز العرش: استبشاره وسروره بقدوم روحه»
(فتح الباري).وروى الحاكم من حديث ابن عمر بلفظ:
«اهتز العرش فرحًا به»
وصححه ووافقه الذهبي. -
أقوال العلماء في معنى اهتزاز العرش
ذكر العلماء عدة توجيهات صحيحة، لا تعارض بينها:
1. فرح العرش بقدوم روحه (ابن حجر).
2. اهتزاز حملة العرش تعظيمًا له.
3. علامة كونية أظهرها الله تكريمًا لعبده.
وكلها تثبت الفضيلة دون تشبيه ولا تمثيل، على منهج أهل السنة والجماعة.
-
فضائل أخرى لسعد بن معاذ
- قال النبي ﷺ:
«لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك، ما نزلوا إلى الأرض قبل ذلك»
رواه مسلم.- وقال ﷺ:
«مناديل سعد في الجنة خير من هذا»
رواه البخاري.- وقال ﷺ:
«إن للقبر ضغطة، ولو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ»
رواه أحمد وصححه الألباني. - قال النبي ﷺ:
-
الخاتمة
لم يكن اهتزاز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ حادثة رمزية أو تعبيرًا أدبيًا، بل تكريمًا إلهيًا موثقًا لرجلٍ جمع بين الإيمان الصادق، والقيادة الواعية، والتضحية الكاملة.
لقد مثّل سعد نموذجًا للإنسان الذي يصنع أثره في الدنيا، فيُكرَّم في السماء، وتبقى سيرته منارة للأجيال. -
المصادر والمراجع
- صحيح البخاري
- صحيح مسلم
- فتح الباري – ابن حجر العسقلاني
- سير أعلام النبلاء – الذهبي
- الإصابة في تمييز الصحابة – ابن حجر
- السيرة النبوية – ابن هشام
- البداية والنهاية – ابن كثير
- فتاوى أهل العلم في معنى اهتزاز العرش
- صحيح البخاري