حكم طلب الطلاق بسبب الضرر النفسي في الشريعة الإسلامية
هل يجوز للمرأة طلب الطلاق بسبب الضرر النفسي؟ تعرف على الحكم الشرعي بالتفصيل وفق المذاهب الأربعة، مع بيان الأدلة والضوابط الشرعية في هذه المسألة الدقيقة.

-
مقدمة
الزواج في الشريعة الإسلامية ميثاق غليظ، قائم على الرحمة والمودة والتكافؤ، لكن قد تعترض الحياة الزوجية ظروف تَجعل الاستمرار مستحيلاً، خاصة حين يتعرض أحد الزوجين، وبالأخص المرأة، لضرر نفسي شديد يؤثر على سلامتها النفسية والجسدية. ومن هنا تثار مسألة فقهية مهمة: هل يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق بسبب الضرر النفسي؟ هذا ما سنبيّنه بالتفصيل في هذه المقالة، مع توضيح آراء فقهاء المذاهب، والاستشهاد بالنصوص الشرعية، وبيان حدود القوامة ومقاصد الزواج.
-
مفهوم الضرر النفسي
الضرر النفسي لا يقل خطورة عن الضرر الجسدي، بل في كثير من الحالات يكون أكثر إيلامًا وتأثيرًا على الحياة الزوجية. ويشمل ذلك:
- التحقير المستمر للزوجة.
- السب والشتم، خاصة أمام الآخرين.
- الإهمال العاطفي المتعمد.
- الهجر النفسي الطويل دون مبرر شرعي.
- التهديد والتخويف والتقليل من شأن الزوجة.
وقد نص العلماء على أن الضرر لا يُشترط أن يكون ماديًّا محسوسًا، بل كل ما يؤذي النفس والعقل والاستقرار يدخل في مفهوم الضرر.
- التحقير المستمر للزوجة.
-
موقف المالكية من الطلاق بسبب الضرر النفسي
نص فقهاء المالكية على أن للمرأة الحق في طلب الطلاق إذا ثبت عليها الضرر البين، سواء أكان ضررًا ماديًا أم معنويًا. وقد جاء في الشرح الكبير للدردير:
"ولها أي للزوجة التطليق بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعًا، كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها..."
وقد مثّل لذلك بأمثلة من أقوال العوام، كقوله: "يا بنت الكلب، يا بنت الكافر"، وهي ألفاظ مؤذية تؤدي إلى تحطيم نفسي ومعنوي للمرأة، وقد أفتت بذلك دار الإفتاء في الفتوى رقم 37112.ويُعتبر هذا الأسلوب في المعاملة خيانة لمقاصد الزواج، ومنافٍ لقول الله تعالى:
"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" [النساء: 19].
-
مفهوم القوامة وحدودها
القوامة في الإسلام تكليف لا تشريف، وهي إدارة مسؤولة وليست أداة تسلط أو استعباد، كما جاء في قوله تعالى:
"فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا" [النساء: 34].
وقد شدد العلماء على أن استغلال القوامة في التسلط والضغط النفسي يُعد ظلمًا تُسلب به البركة من البيت وتُهدم به أركان الأسرة.
-
من صور الضرر النفسي المبيح للطلاق
وفقًا لأقوال العلماء، من أبرز صور الضرر النفسي الذي يبيح للمرأة طلب الطلاق:
1. الإهانة المتكررة: سواء بالكلام أو الإشارات أو الألفاظ السوقية.
2. الهجر النفسي والعاطفي: كرفض الحديث معها بلا سبب، أو إهمالها عمدًا.
3. الاستفزاز والتخويف والتهديد: حتى دون ضرب فعلي.
4. الشتائم المقذعة التي تطالها أو أهلها.
5. الاستهزاء بدينها أو التحقير من مظهرها أو أخلاقها.
وقد قال الإمام عليش المالكي في شرحه لمتن خليل:
"الضرر الموجب للفسخ لا يشترط فيه أن يكون جسديًا، بل كل ما تتضرر به النفس بشكل لا يُحتمل يدخل فيه."
-
شروط رفع الضرر وطلب الطلاق
لكي يصح للمرأة أن تطلب الطلاق بسبب الضرر النفسي، ينبغي:
- ثبوت الضرر بالبينة أو شهادة عدلين أو تكرار الشكوى.
- أن يكون الضرر مستمرًا أو متجددًا، لا عارضًا مؤقتًا.
- أن تكون الزوجة قد قامت بالنصح والتحذير والتواصل مع أهل الإصلاح دون فائدة.
فإن اجتمعت هذه الشروط، فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي، ويأمر القاضي الزوج بالكفّ، فإن أبى جاز الحكم بالتفريق، كما نص على ذلك الإمام ابن عبد السلام والشيخ خليل في متون المالكية.
- ثبوت الضرر بالبينة أو شهادة عدلين أو تكرار الشكوى.
-
حكم الطلاق للضرر عند بقية المذاهب
- الحنفية: أقروا أن الضرر المعنوي يجوز أن يكون سببًا للخلع وليس للطلاق إلا أن يشترط في العقد.
- الشافعية: يرون أن الضرر إن تكرر وأدى إلى تهديد الحياة النفسية، يجوز للمرأة طلب الطلاق.
- الحنابلة: أجازوا التفريق إذا ثبت الضرر المستمر ولو كان معنويًا، وخصوصًا إذا أضر بعفاف الزوجة أو استقرارها النفسي.
- الحنفية: أقروا أن الضرر المعنوي يجوز أن يكون سببًا للخلع وليس للطلاق إلا أن يشترط في العقد.
-
مقاصد الشريعة في حماية الأسرة
الشارع الحكيم جعل من أهم مقاصد الزواج:
"لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً" [الروم: 21]،
فإذا تحولت الحياة الزوجية إلى ساحة حرب نفسية، وغابت المودة والرحمة، فالأولى الفصل بين الطرفين رفعًا للضرر.وقد قال النبي ﷺ:
"لا ضرر ولا ضرار" [رواه ابن ماجه].
-
تنبيهات فقهية واجتماعية مهمة
- لا يجوز للمرأة التسرع في طلب الطلاق دون محاولة إصلاح حقيقية.
- على الزوجات توثيق الضرر النفسي بطرق شرعية.
- يُستحسن اللجوء إلى التحكيم الشرعي الأسري قبل القاضي.
- لا يجوز للمرأة التسرع في طلب الطلاق دون محاولة إصلاح حقيقية.
-
الخلاصة
الضرر النفسي سبب معتبر شرعًا لطلب المرأة الطلاق، إذا كان بالغًا ومُثبتًا ومؤثرًا على استقرارها النفسي والأسري. وقد نص على ذلك المالكية بوضوح، وأقره جمهور الفقهاء ضمن مقاصد رفع الضرر وحفظ الكرامة.
فالزواج في الإسلام ليس عقدًا جامدًا، بل علاقة إنسانية راقية لا تقوم على التسلط ولا الإذلال، ومن أساء استخدام القوامة وأضر بزوجته نفسيًا فقد خالف أمر الله واستحق الفسخ أو الطلاق.