كيف يعقّ الآباء أبناءهم عند الكبر؟

هل يُعقل أن يكون الأب هو العاق؟ نعم، تعرف في هذا المقال التفصيلي على صور عقوق الآباء للأبناء بعد كبرهم، مع شرح الأسباب الواقعية، والتكييف الشرعي، مدعومًا بالأدلة من القرآن والسنة، مع حلول عملية لإصلاح العلاقة.

كيف يعقّ الآباء أبناءهم عند الكبر؟
كيف يعقل الآباء أبناءهم في الكبر
  • مقدمة

    حين يُذكر العقوق، يتبادر إلى الأذهان فورًا عقوق الأبناء للآباء، غير أن العقوق لا يقتصر على الأبناء فقط، بل قد يكون الآباء هم من يعقّون أبناءهم، خصوصًا عندما يكبر الأبناء وتستقل شخصياتهم. وهذا النوع من العقوق قد يختفي تحت ستار "السلطة الأبوية" أو "حق الوالد على ولده"، لكن الإسلام حذّر من كل ظلم أو تجاوز للحقوق، ولو كان من الوالد على ولده.

    قال الله تعالى:

    ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ﴾ [آل عمران: 57]
    والظلم هنا يشمل ظلم الآباء لأبنائهم، خصوصًا في مراحل متقدمة من حياتهم، حين لا تعود الحاجة إلى التربية بل إلى المساندة والاحترام.

  • ما معنى عقوق الآباء للأبناء في الكبر؟

    هو: كل تصرف يصدر عن الأب أو الأم يتضمن ظلمًا أو إذلالًا أو تقليلًا من شأن الابن أو انتهاكًا لحريته أو إساءة لحقه المشروع، خاصة عندما يبلغ الابن أو الابنة سن الرشد ويصبح مسؤولًا عن نفسه.
    وهو يشمل:

    • التحكم القسري في حياة الأبناء بعد بلوغهم.
    • إهانتهم أو إذلالهم أمام الآخرين.
    • التدخل السلبي في قراراتهم الزوجية أو المهنية.
    • التسبب في قطيعة أو عداوة بينهم وبين إخوانهم.
    • التفرقة بينهم في الميراث أو التقدير.
    • استعمال سلطتهم الدينية أو العاطفية للتلاعب بهم.
  • صور واقعية لعقوق الآباء لأبنائهم عند الكبر

    1. رفض زواج الابن/الابنة بلا مبرر شرعي

    كأن يرفض الأب شابًا صالحًا لأنه "من غير العائلة"، أو يرفض تزويج ابنته من كفء، أو يُجبر ابنه على الزواج من امرأة لا يريدها.

    ???? الدليل:
    قال النبي ﷺ:

    «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه» (رواه الترمذي).
    ومنع الزواج دون سبب شرعي ظلم وتعدٍّ على حق الأبناء في تكوين حياتهم.

    2. التسلط في قرارات العمل أو السكن

    بعض الآباء يمنعون أبناءهم من العمل في مجالات يحبونها أو السفر لأجل مستقبلهم، بلا حجة شرعية، فقط لفرض السيطرة أو بدافع شخصي.

    ???? الشاهد:
    قال رسول الله ﷺ:

    «لا ضرر ولا ضرار» (رواه ابن ماجه).
    وهذا يشمل الضرر النفسي والمستقبلي الواقع على الأبناء نتيجة قرارات قسرية.

    3. الإذلال العلني أو المقارنة المهينة

    مثل قول الأب لابنه الكبير أمام الأقارب: "ما منك فائدة"، أو تفضيل أخ على آخر بصورة مستمرة، ما يُورث الغلّ والانكسار.

    ???? الدليل:
    حديث النبي ﷺ في العدل بين الأبناء، قال:

    «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» (رواه البخاري ومسلم).
    وسمّى النبي ﷺ التفضيل بـ"الجور"، وهو ظلم صريح.

    4. الاستغلال المالي للابن بعد بلوغه

    كأن يطلب الأب من ابنه مالًا بشكل دائم، ليس لحاجة ضرورية، بل لإرضاء شهواته أو إسرافه، ويغضب إن لم يُعطَ.

    ???? الدليل:
    قال تعالى:

    ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]
    وفي الحديث:
    «كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت» (رواه أبو داود).
    فلا يجوز للأب أن يُضيّع بيت ابنه وأولاده لأجل رفاهيته الشخصية.

    5. إجبار الابن على قطع رحمه

    كأن يُجبر الأب ابنه على قطع أمه، أو أحد إخوته، أو أقاربه بسبب خلافات شخصية، ويغضب إن خالفه.

    ???? الدليل:
    قال الله تعالى:

    ﴿وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ...﴾ [الرعد: 21]
    وقطع الرحم من الكبائر، ولو بأمر أحد الوالدين، فلا طاعة في معصية.

    6. حرمان أحد الأبناء من الميراث

    من صور العقوق الشائعة، خاصة عند الكبر، أن يُحرَم أحد الأبناء أو الإناث خاصة من الميراث الشرعي، بحجة أنه "أخذ كفايته" أو "الذكور أولى".

    ???? الدليل:
    قال تعالى:

    ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىٓ أَوْلَـٰدِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلْأُنثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11]
    وتحريف الميراث ظلم وخيانة أمانة يُحاسب الله عليها.

  • هل يُحاسب الأب على عقوقه لابنه؟

    نعم، فكما أن الابن يُحاسب على بر والديه، فإن الوالد يُحاسب على عدله وتربيته ورعايته لولده.
    قال ﷺ:

    «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...» (رواه البخاري).
    وفي هذا الحديث بيان واضح لمسؤولية الأب أمام الله عن أفعاله تجاه أبنائه، في كل مراحل حياتهم.

  • كيف يُصلح الأب ما أفسده مع أبنائه؟

    1.   الاعتراف بالتقصير والاعتذار منه.

    2.   التعامل مع الأبناء باحترام حتى بعد كبرهم.

    3.   رد الحقوق الشرعية كالميراث أو الأموال.

    4.   عدم التدخل في خصوصياتهم دون إذنهم.

    5.   الدعاء لهم بدل الدعاء عليهم.

  • هل يجوز للابن أن يُخالف أباه الظالم؟

    نعم، إذا طلب الأب أمرًا فيه ظلم، أو قطيعة رحم، أو منع حق، أو إساءة للغير، فـ لا طاعة له.
    قال النبي ﷺ:

    «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (رواه أحمد).

    لكن إن كان الخلاف في الرأي أو الاجتهاد، فالواجب بره، والرد عليه بأدب دون طاعة في المعصية.

  • الخاتمة

    عقوق الآباء للأبناء بعد كبرهم واقع خطير يتسبب في تفكك الأسرة وغياب الرحمة والعدل، ولا يقل جرمًا عن العقوق الذي يحرّمه الإسلام من الأبناء تجاه والديهم.
    فالأسرة في الإسلام بُنيت على المسؤولية المتبادلة، والمودة، والتكليف الشرعي، وليس على الإذعان الأعمى.

    قال الله تعالى:

    ﴿وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِٱلْقِسْطِ﴾ [النساء: 127]
    فإذا كان العدل مطلوبًا مع اليتيم، فهو أوجب في حق الأبناء الذين هم أمانة عند آبائهم.