الأسباب الشرعية التي تبيح للمرأة طلب الطلاق

تعرفي على الأسباب الشرعية التي تبيح للمرأة طلب الطلاق في الإسلام، مدعومة بالأدلة من القرآن والسنة وأقوال العلماء، وتشمل الضرر، الإهانة، عدم النفقة، الفسوق، العيوب، والغياب الطويل.

الأسباب الشرعية التي تبيح للمرأة طلب الطلاق
الاسباب الشرعية التي تبيح للزوجة طلب الطلاق بسببها
  • مقدمة

    في الشريعة الإسلامية، الزواج ميثاق غليظ، أساسه الرحمة والمودة، وقد شرعه الله لبناء الأسر واستقرار المجتمعات. لكن الإسلام لا يُغفل واقع الحياة وما قد يعتريها من مشكلات تؤدي إلى انهيار العلاقة الزوجية. ومن رحمة الله تعالى بالمرأة، أنه أباح لها طلب الطلاق في حالات معينة، تُعد استثناءً من الأصل العام الذي يقضي بعدم مشروعية طلب الطلاق من غير سبب.

    قال رسول الله ﷺ:
    «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة»
    رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.

    وبالتالي، فإن طلب المرأة الطلاق لا يجوز شرعًا إلا لوجود أسباب معتبرة تبيحه، وتجعله وسيلة مشروعة لرفع الضرر ودفع الحرج. وفيما يلي نعرض أهم هذه الأسباب مدعومة بالأدلة الشرعية:

  • عدم النفقة والامتناع عن تأمين الحاجات الأساسية

    من أولى الحقوق التي أوجبها الإسلام للزوجة على زوجها: النفقة، والسكن، والكسوة.

    قال تعالى:
    {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]
    وقال ﷺ:
    «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف»
    رواه مسلم.

    فإن امتنع الزوج عن النفقة، أو كان بخيلًا تقتيرًا شديدًا يمنع الضروريات، جاز للمرأة أن تطلب الطلاق.

    قال ابن قدامة رحمه الله في المغني:

    "إذا امتنع الزوج من الإنفاق، فإن كانت له مقدرة أُلزم بها، وإن لم تكن له مقدرة، خُيّرت الزوجة بين الفسخ والصبر."

  • الضرر الجسدي والنفسي: كالضرب والشتم والإهانة

    أي ضرر يُلحقه الزوج بالزوجة يُعد سببًا شرعيًا معتبرًا لطلب الطلاق، سواء وقع مرة واحدة أو تكرر.

    قال النبي ﷺ:
    «لا يضرب خياركم»
    رواه أبو داود.

    وقال الإمام خليل المالكي:

    "ولها التطليق بالضرر البين ولو لم تشهد البينة بتكرره."

    وقال الدردير في الشرح الكبير:

    "لها التطليق إن وقع عليها ضرر شرعي، كالهجر بغير موجب، أو الضرب أو السب، أو الطعن في نسبها أو نسب أهلها."

    ومما يُلحق بالضرر كذلك: هجر الزوجة دون مبرر، السب والشتم، أو وطؤها في غير محل الوطء المشروع.

  • الغيبة الطويلة مع الضرر وخوف الفتنة

    إذا غاب الزوج عن زوجته مدة طويلة، ولم تجد وسيلة للوصول إليه، أو تضررت نفسيًا أو خشيت الفتنة، فيجوز لها طلب الطلاق.

    قال الإمام أحمد:
    "
    يغيب الرجل عن زوجته ستة أشهر، فإذا اشتكت الزوجة ورفعت أمرها إلى القاضي، فله أن يفسخ النكاح."

    وقد اعتُمد هذا القول في كثير من المذاهب، خصوصًا المالكية، الذين يجيزون التفريق للغيبة الطويلة سواء بعذر أو بغير عذر.

  • الحبس الطويل المؤدي إلى الضرر

    إذا سُجن الزوج مدة طويلة (سنة فأكثر) وتضررت الزوجة بفقده، جاز لها أن تطلب الطلاق.

    قال المالكية:

    "يجوز التفريق بسبب الحبس إذا طلبت الزوجة ذلك وادعت الضرر، لأن الحبس في حكم الغيبة."

    وقد توسع العلماء في هذا الباب رحمة بالمرأة، خاصة إن لم يكن للزوج موعد معلوم للإفراج.

  • وجود عيب مستحكم في الزوج

    كأن يكون الزوج:

    • عاجزًا عن الوطء (عنِّينًا).
    • عقيمًا والزوجة ترغب في الإنجاب.
    • مصابًا بمرض منفر أو معدٍ (كالبرص أو الإيدز).

    قال المالكية والشافعية وغيرهم بجواز فسخ النكاح إذا كان في الزوج عيب يمنع الاستمتاع أو يسبب النفور الشديد.

    قال الإمام النووي:

    "للزوجة حق الفسخ إذا ظهر بالزوج عيب لا يمكن معه الوطء أو يصعب العيش معه."

  • الفسوق وترك العبادات وتعاطي الكبائر

    إذا كان الزوج فاسقًا مجاهرًا بترك الصلاة أو شرب الخمر أو تعاطي المخدرات أو غيرها من الكبائر، ولم تنفع معه النصيحة، جاز للزوجة طلب الطلاق.

    قال تعالى:
    {ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا} [البقرة: 231]
    وقال ﷺ:
    «من ترك الصلاة فقد كفر»
    رواه أحمد وأبو داود.

    وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

    "ما حكم طلب المرأة الطلاق من زوج مدمن؟"
    فأجاب: "طلبها للطلاق جائز، لأن حال الزوج غير مرضية، وإن أمكنها إصلاحه فذلك خير."

  • نفور الزوجة الشديد من زوجها وعدم قدرتها على الاستمرار

    إذا شعرت المرأة ببغض شديد لا يمكن علاجه ولا يُعرف له سبب واضح، وكانت تُعاني نفسيًا من الاستمرار في الحياة الزوجية، فإن طلبها للطلاق مشروع.

    قال الله تعالى:
    {وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته} [النساء: 130]

    قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله:

    "إذا نفرت الزوجة من زوجها نفورًا شديدًا، واشتدت كراهيتها له بحيث لا تحتمل العيش معه، فلها أن تطلب الطلاق، ولو لم يكن هناك تقصير ظاهر من الزوج."

    وهذه الحالة تسمى في الفقه: الشقاق أو الكراهية الشديدة.

  • منع المرأة من رؤية أهلها وقطعها عن أقاربها

    إذا حرم الرجل زوجته من صلة الرحم، خصوصًا والديها، وضيّق عليها في ذلك، فإن هذا من الظلم الصريح الذي يبيح لها طلب الطلاق.

    قال تعالى:
    {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]

    وقال العلماء:

    "لا يجوز للرجل أن يمنع زوجته من برّ والديها أو زيارتهم إلا لمفسدة واضحة، وإلا كان ظالمًا لها."

  • اللعان واتهام الزوج لها بالفاحشة

    إذا اتهم الزوج زوجته بالزنا، ولم يُقم أربعة شهداء، فعليهما اللعان، ويُفرق بينهما.

    قال تعالى:
    {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين} [النور: 8]

    وهذا الفراق لا رجعة فيه، ويُعد سببًا شرعيًا للانفصال الكامل.

  • خاتمة

    من عدل الإسلام ورحمته، أنه لم يُجبر المرأة على البقاء في زواج يَغلب عليه الضرر، أو يفتقد لأركانه الشرعية. وقد حددت الشريعة الأسباب التي تُبيح للمرأة طلب الطلاق، وجعلت لذلك ضوابط تضمن التوازن بين حقوق الطرفين.
    فالمرأة ليست رهينة لعقد زواج مؤذٍ، بل كرمها الإسلام وفتح لها باب الإنصاف والعدل.

    وعلى المرأة قبل أن تطلب الطلاق أن تلجأ إلى الإصلاح، وتستشير أهل العلم، وتتحرى الحكمة في القرار.