حكم كشف شعر المخطوبة أمام الخاطب في الإسلام

ما حكم خلع الحجاب أمام الخاطب؟ وهل يجوز له رؤية شعرها أو أجزاء أخرى من جسدها؟ يوضح هذا المقال بالتفصيل آراء العلماء في حدود رؤية الخاطب للمخطوبة، مع ذكر الأدلة من السنة النبوية وأقوال الفقهاء، ويبين الشروط والضوابط الشرعية لذلك، بما يغني القارئ ويجيب على أكثر الأسئلة شيوعًا حول هذه المسألة الحساسة.

حكم كشف شعر المخطوبة أمام الخاطب في الإسلام
حكم كشف شعر المخطوبة للخاطب
  • مقدمة

    كثيراً ما تثار الأسئلة حول ما يجوز للخاطب أن يراه من مخطوبته، وخاصة فيما يتعلق بكشف الشعر والوجه، وهل له أن يرى أكثر من ذلك؟ وهل يجوز للمرأة أن تتجمل لخاطبها؟ وهل يجب وجود محرم أثناء الرؤية؟ في هذه المقالة المفصلة، سنعرض الأقوال الشرعية المعتبرة لأئمة المذاهب الأربعة وغيرهم من العلماء، مدعّمة بالأدلة من السنة النبوية، وموضحة للضوابط الشرعية في هذه المسألة الحساسة التي تهم المقبلين على الزواج.

  • الأصل في العلاقة بين الخاطب والمخطوبة

    من المهم التأكيد أولاً على أن الخاطب يعتبر أجنبيًا عن المرأة المخطوبة حتى يتم عقد النكاح. وبناءً عليه، فلا يجوز له الخلوة بها أو لمسها، لكن الشريعة الإسلامية رخّصت له أن يرى ما يدعوه إلى نكاحها ضمن ضوابط محددة، دفعًا للضرر، وتحقيقًا لمقصد التآلف والوئام بعد الزواج.

    وقد دلّ على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

    "إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" (رواه أبو داود وأحمد).

  • أقوال العلماء في حدود ما يجوز النظر إليه من المخطوبة

    أ- جمهور الفقهاء:

    ذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنفية ورواية عن الإمام أحمد إلى أنه يجوز للخاطب أن يرى وجه المخطوبة وكفيها فقط. واستدلوا بأن الوجه هو موضع الجمال، والكفان يستدل بهما على خصوبة البدن.

    ب- الحنابلة:

    قالوا بجواز النظر إلى ما يظهر غالبًا في الخدمة كالشعر، والرقبة، والقدمين، واليدين، مستندين إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن بالنظر إليها دون علمها، فدل ذلك على إباحة النظر إلى ما يظهر غالبًا.

    ج- الإمام ابن حزم الظاهري:

    أجاز النظر إلى جميع بدن المرأة عدا العورة، وقال في "المحلى":

    "فله أن ينظر منها متغفلاً وغير متغفل إلى ما بطن منها وما ظهر، ما لم ير العورة".

    د- الإمام الأوزاعي:

    قال بجواز النظر إلى مواضع اللحم من المرأة المخطوبة.

  • هل يجوز كشف الشعر للخاطب؟

    بحسب ما ورد عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فإنه لا حرج على المرأة أن تكشف شعرها ووجهها وكفيها وقدميها أمام من يريد خطبتها، ولكن بشرطين أساسيين:

    • عدم الخلوة بينهما: فلا يجوز أن يختليا بدون وجود محرم.
    • عدم التزين والتجمل للخاطب: لأنها ما زالت أجنبية عنه.

    قال الشيخ ابن عثيمين:

    "يجوز للرجل إذا خطب امرأة أن ينظر إلى ما يدعوه إلى الرغبة في نكاحها من الوجه والكفين والرأس والشعر والقدمين، ولكن بشرط ألا يكون ذلك في خلوة".

    وكذلك قال الشيخ ابن باز:

    "لا بأس أن تنظر المرأة إلى الخاطب، ويكشف لها عن وجهها وشعرها ويديها ورجليها، لكن من دون خلوة".

  • ما الحكم في خلع الحجاب أمام الخاطب؟

    خلع الحجاب في هذه الحالة ليس على إطلاقه، وإنما يتم فقط لغرض النظر الشرعي بقصد الزواج، لا بقصد التزين أو التعارف العام. وهذا الخلع يكون في وجود محرم، ولا يجوز أن يكون الخاطب وحده مع الفتاة.

    والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم:

    "لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم".

  • هل يجوز أن تتزين المرأة لخاطبها؟

    لا يجوز للمرأة أن تتزين أو تتجمل لخاطبها، لأنه لا يزال أجنبيًا عنها. والتجمل قد يؤدي إلى وقوع الفتنة أو سوء التقدير، إذ قد يرى منها زينة مزيفة فيظن أنها على غير حقيقتها.

    وقد علل الشيخ ابن عثيمين ذلك بقوله:

    "لأنها إذا تجملت أو زينت وجهها بشيء من الزينة، ثم حصل النكاح وبدا للمرء غير ما هي عليه عند رؤيته إياها في الخطبة، فإن رغبته فيها قد تهبط هبوطاً يخشى منه الفصال".

  • ما الأفضل للخاطب أن يراه؟

    الأفضل أن يرى الخاطب من مخطوبته ما يدعوه إلى الزواج منها، بشرط ألا يكون ذلك في خلوة، وأن يتم وفق الضوابط الشرعية. ويجوز أن يرى الوجه، الشعر، اليدين، القدمين، والرقبة على القول الراجح، وذلك تحقيقًا لقصد الشارع في حصول الألفة والرضا بين الطرفين قبل الزواج.

  • هل يشترط علم الفتاة بالنظر؟

    في حديث جابر رضي الله عنه، قال:

    "كنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها

    فهذا يدل على أن الرؤية لا يشترط فيها علم المرأة، لكن ذلك لا يعني التجسس أو النظر في غير موضعه، بل المقصود هو النظر إليها من غير خلوة ومن غير افتضاح.

  • نصائح عملية في تطبيق الحكم

    • ينبغي أن يتم اللقاء الشرعي بين الخاطب والمخطوبة بحضور وليها أو أحد محارمها.
    • الأفضل أن يتم في مجلس محترم وواضح.
    • لا يُبالغ في عدد المرات التي يرى فيها الخاطب مخطوبته، بل تكون مرة أو مرتين تكفي للحكم على الشكل والموافقة النفسية.
    • يُفضل ترك بعض الأمور للمفاجأة الجميلة بعد الزواج، فهذا أدعى للرضا والاستقرار.
  • ما هو الرأي الاحسن في نظر الخاطب للمخطوبة في زماننا الحالي

    في زماننا الحالي، وبالنظر إلى كثرة الفتن والانفتاح الإعلامي، فإن الأصلح والأحوط في مسألة نظر الخاطب للمخطوبة أن يُقتصر على رؤية الوجه والكفين فقط، دون زينة أو تبرج، مع وجود محرم، وبضوابط واضحة، وذلك لعدة أسباب:

    1.    سد الذرائع: مع تهاون كثير من الناس اليوم في الضوابط الشرعية، قد تتحول الرؤية الشرعية إلى خلوة محرمة أو إلى تواصل عاطفي غير منضبط، مما يفتح أبواب الفساد.

    2.    تزييف الواقع بالتزين: كما قال ابن عثيمين، المرأة قد تتزين وتظهر في أفضل حالاتها أثناء الرؤية، ثم يتفاجأ الرجل بعد الزواج بواقع مختلف، مما يؤدي إلى نفور أو خلاف.

    3.    سهولة الوصول إلى صور النساء في الإعلام: هذا يجعل الشيطان يزين للمخطوبة أن تظهر في أبهى صورة لتنافس ما يراه الرجل في الإعلام، ما ينافي مقصد الرؤية الشرعية الذي هو معرفة حال المرأة الطبيعية.

    4.    وجود بدائل شرعية آمنة: كأن يرى الخاطب صوراً حقيقية غير مزينة أُخذت في مواضع عامة بوجود محارم، أو أن يسأل من يثق بهم من النساء.

    5.    رأي جمهور العلماء: أكثر الفقهاء عبر العصور رجحوا الاكتفاء بالوجه والكفين، وهو ما يتحقق به المقصود من الرؤية (الاطمئنان للهيئة العامة).

    الخلاصة:

    الأصلح في زماننا الحالي أن يُسمح للخاطب برؤية وجه وكفي المخطوبة فقط، دون زينة أو خلوة، بحضور محرم، ولمرة واحدة تكفي لتحصيل القبول النفسي والشرعي. وهذا الرأي يجمع بين الشرع والاحتياط، ويحقق مقاصد الزواج مع حماية الأطراف من الفتن.

  • خلاصة الأحكام والضوابط

    المسألة

    الحكم الشرعي

    نظر الخاطب للمخطوبة

    جائز مع الضوابط

    كشف الشعر والرقبة والقدمين

    جائز عند بعض العلماء بشرط عدم الخلوة

    التزين للخاطب

    غير جائز لأنه لا يزال أجنبيًا

    الخلوة بالخاطب

    محرمة شرعًا

    تكرار النظر

    يجوز عند الحاجة وبقدر الكفاية

    وجود محرم

    شرط أساسي في اللقاء

     

  • خاتمة

    يُعد النظر إلى المخطوبة من الرخص الشرعية التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيق مقصد الزواج على بينة وبصيرة، شرط أن يتم ذلك وفق ضوابط تحمي المرأة وتحفظ كرامتها وتحول دون الوقوع في الفتنة أو التعدي. ولذا فإن على الأسر والآباء أن يُيسروا هذا الأمر بما يحقق الشرع ولا يتعداه، فالدين الإسلامي دين يسر ورحمة وتنظيم، لا حرج فيه ولا تفريط.