الأحكامُ المتعلِّقةُ بهدايا الخطوبةِ

تناولَ المقالُ الأحكامَ المتعلِّقةَ بهدايا الخطوبةِ ببيانِ حكمِ تبادُلِ هذهِ الهدايا بينَ الخاطبينَ ودليلِه، وحُكمِها عندَ الفقهاءِ، والفَرْقِ بينها وبينَ الشَّبكةِ وحكمِ استردادِها عندَ فسخِ الخطوبةِ، سواءٌ أكانَ الفسخُ من جهةِ الخاطبِ، أو من جهةِ المخطوبةِ، وحُكمِها بعدَ الزَّواجِ، وختامًا بحُكمِ استرجاعِ هذهِ الهدايا حالَ استهلاكِها، وهل هناكَ فرقٌ بينَ الهدايا الثَّمينةِ والهدايا البسيطةِ بشكلٍ شاملٍ ومبسَّطٍ.

الأحكامُ المتعلِّقةُ بهدايا الخطوبةِ
  • أوَّلاً: هل يجوزُ للخاطبِ أنْ يقدِّمَ هدايا لخطيبتِهِ، وكذلكَ المخطوبةُ هل يجوزُ لها تقديمُ الهدايا لخطيبِها؟ وما الدَّليلُ؟

    ·      لا خلافَ بينَ الفقهاءِ في مشروعيَّةِ الهديَّةِ، بل ولا خلافَ في استحبابِها.

    ·      لذلكَ فلا خلافَ في جوازِ تقديمِ الخاطبِ الهدايا لمخطوبتِهِ، وكذلكَ يجوزُ للمخطوبةِ أنْ تقدِّمَ الهدايا لخطيبِها،

     

    وجوازُ تبادلِ الهدايا بينَ المخطوبينَ مقيَّدٌ بضابطٍ شرعيٍّ، وهوَ:

    أنْ يكونَ غرضُ كلٍّ منَ الخاطبِ والمخطوبةِ منْ هذهِ الهديَّةِ سليمًا؛ بحيثُ لا يحملهُ ذلكَ على ارتكابِ محرَّمٍ؛ كالخلوةِ والنظرِ أو نحوهما؛

     

    ·      فإنْ لمْ يكنْ الغرضُ كما ذكرْنا تبيَّنَ أنَّ غرضَ كلٍّ منهما في تقديمِ الهدايا للآخرِ هوَ: كسبُ ودِّهِ واستمالتِهِ، وهذاَ لا مانعَ منه، بلْ إنَّ فعلَ ذلكَ مستحبٌّ وفضيلةٌ وبشارةٌ طيِّبةٌ على صدقِ المودَّةِ بينَ الطرفينَ. ودليلُ الجوازِ:

    ·      ما رُويَ عنِ النبيِّ -صلَّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ-:

    (يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ).

    ·      وقولِهِ- صلَّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ-:

    (لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ).

    ·      وما وردَ في الخبرِ:

    (كَانَ رَسُول اللَّهِ -صلَّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ- يَقْبَل الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا).

    ·      وقالَ النبيُّ -صلَّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ:

    (تَهَادُوا تَحَابُّوا).

  • ثانيًا: ما هي أحكامُ هدايا الخطبةِ في الإسلامِ؟

    أو: ما هي الآراءُ الفقهيَّةُ المختلفةُ حولَ حكمِ هدايا الخطبةِ؟

    ·      يرى معظمُ الفقهاءِ أنَّ هدايا الخطبةِ هي هبةُ ثوابٍ (وهيَ أنْ يهبَّ شخصٌ لآخرَ هبةً يرجو عوضَها منهُ)، والغايةُ منْ هذهِ الهدايا رغبةُ الطرفينِ إتمامَ الخطبةِ بالزَّواجِ.

    ·      معَ اختلافِ الفقهاءِ في حكمِ الرُّجوعِ فيها:

    o فيرى الحنفيَّةُ والشَّافعيَّةُ: أنَّها هبةٌ يجوزُ الرُّجوعُ فيها.

    o ويرى المالكيَّةُ والحنابلةُ: أنَّها هبةٌ يجوزُ الرُّجوعُ فيها على تفصيلٍ فيما بينَهمْ سنذكرُهُ في حكمِ استردادِ الخطوبةِ بينَ الخاطبينِ.

  • ثالثًا: ما هوَ الفرقُ بينَ الهديَّةِ والشَّبكةِ؟

    ·      الشَّبكةُ هيَ حُليٌّ يقدِّمها الرُّجلُ للمرأةِ الَّتي يريدُ الزَّواجَ بها (يقدِّمها الخاطبُ لمخطوبتِهِ)، وغالبًا ما تكونُ الشَّبكةُ منَ الذَّهبِ، وقدْ تكونُ منَ المجوهراتِ النَّفيسةِ؛ كالألماسِ ونحوهِ، وقدْ جرى العُرفُ بأنَّها جزءٌ منَ المهرِ وهوَ ما عليهِ الفتوى.

    ·      أمَّا الهديَّةُ، فليستْ منَ الحليِّ غالبًا، بلْ قدْ تكونُ ثيابًا أو أشياءَ أخرى، والهديَّةُ هبةٌ يجوزُ الرُّجوعُ فيها على الغالبِ لدى الفقهاءِ.

    ·      وإذا فسخَ الخاطبُ الخطوبةَ، فقدْ يستردُّ الهدايا، أو لا يستردُّها على تفصيلٍ بينَ الفقهاءِ في المسألةِ، ولكنْ لهُ أنْ يستردَّ الشَّبكةَ؛ لأنَّها جزءٌ منَ المهرِ، وليستْ هديَّةً منَ الهدايا، وبما أنَّ العقدَ لم ينعقدْ فلا يجبُ عليهِ مهرٌ بالأصلِ، فيجبُ على المخطوبةِ وأهلِها ردُّ الشَّبكةِ لهُ، وإنْ لمْ تُرَدَّ إليهِ جازَ لهُ اللُّجوءُ إلى القضاءِ لردِّها.

    ولمزيدٍ منَ التَّفاصيلِ راجعْ مقالتَنا (الأحكامُ المتعلِّقةُ بشبكةِ العروسِ).

  • رابعًا: هل يجوزُ استرجاعُ الهدايا بعدَ فسخِ الخطبةِ؟

    وما حكمُ استردادِ هدايا الخطبةِ؟

    وهل يجوزُ للرجلِ استرجاعُ الهدايا الَّتي قدَّمها للمخطوبةِ حالَ العدولِ عنِ الخطبةِ؟

    اختلفَ الفقهاءُ فيما بينَهمْ على حكمِ ردِّ الهدايا بينَ المخطوبينَ، ففيه آراءٌ فقهيَّةٌ:

    ·      ذهبَ الحنفيَّةُ إلى أنَّ:

    o هدايا الخطبةِ هبةٌ، وللواهبِ أنْ يرجعَ في هبتهِ إلَّا إذا وُجِدَ مانعٌ منْ موانعِ الرُّجوعِ بالهبةِ كهلاكِ الشيءِ أو استهلاكِهِ أو وجودِ الزَّوجيَّةِ.

    o فإذا كانَ ما أهداهُ الخاطبُ للمخطوبةِ ما زالَ موجودًا فلهُ استردادُهُ.

    o وإذا كانَ قدْ هلكَ أو استُهلِكَ أو حدثَ فيهِ تغييرٌ، كأنْ ضاعَ الخاتمُ، وأُكِلَ الطعامُ. وصُنِعَ القماشُ ثوبًا، فلا يحقُّ للخاطبِ استردادُ بدلهِ.

    ·      وذهبَ المالكيَّةُ إلى أنَّ:

    الهدايا قبلَ عقدِ الزَّواجِ، أو فيهِ تُقسَمُ مناصفةً بينَ المرأةِ والرُّجلِ، سواءٌ اشتُرطتْ، أو لمْ تُشترطْ؛ لأنَّها مشترطةٌ حكمًا، فتُرجِعُ المخطوبةُ للخاطبِ نصفَ الهدايا الَّتي قدَّمها، أو نصفَ قيمتِها.

    ·      وفرَّقَ الحنابلةُ بينَ أنْ:

    يكونَ العدولُ أو فسخُ الخطوبةِ منْ جهةِ الخاطبِ، أو منْ جهةِ المخطوبةِ:

    o فإذا فسخَ الخاطبُ، فلا يرجعُ بشيءٍ ولو كانَ موجودًا.

    o وإذا فسختِ المخطوبةُ، فللخاطبِ أنْ يستردَّ الهدايا، سواءٌ أكانتْ قائمةً أمْ هالكةً، فإنْ هلكتْ أو استُهلكتْ وجبتْ قيمتُها.

    وجوازُ استردادِ الخاطبِ للهدايا حالَ فسخِ الخطوبةِ: لأنَّهُ وهبَ بشرطِ بقاءِ العقدِ، فإنْ زالَ العقدُ، فلهُ الرُّجوعُ.

    ·      ورأى الشَّافعيَّةُ أنَّ:

    o للخاطبِ الرُّجوعَ بما أهداهُ؛ لأنَّهُ إنَّما أنفقَ لأجلِ تزوُّجِها، فيرجعُ إنْ بقيَ، وببدلِهِ إنْ تلفَ.

    o واستدلُّوا بما رُويَ عمرو بن شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ: أنَّ رسولَ اللّهِ -صلَّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ- قالَ:

    «أيُّما امرأةٍ نكحتْ على صداقٍ أو حِبَاءٍ (عطاءٍ) أو عدَّةٍ قبلَ عصمةِ النِّكاحِ، فهوَ لها، وما كانَ بعدَ عصمةِ النِّكاحِ فهوَ لمنْ أُعطيهُ».

    ·      والراجحُ أنَّ الخاطبَ يرجعُ بما أهداهُ لمخطوبتِهِ، سواءٌ كانَ الرُّجوعُ عنِ الخطبةِ منْ جهتهِ أوْ جهتها، لأنَّ هديَّةَ الخاطبِ أشبهُ بهبةِ الثَّوابِ، فإنَّ دلالةَ الحالِ أنَّهُ يهدي المخطوبةَ بشرطِ إتمامِ الزَّواجِ، وقالَ ابنُ تيميةَ:

    (كلُّ منْ أُهديَ لهُ شيءٌ، أوْ وُهِبَ لهُ شيءٌ بسببٍ يثبتُ بثبوتِهِ ويزولُ بزوالِهِ).

    ·      وعلى ذلكَ، فمنْ حقِّ الخاطبِ استرجاعُ ما أهداهُ للمخطوبةِ، لكنَّ الأولى والأفضلَ تركُ ذلكَ فإنَّهُ يكونُ منْ مكارمِ الأخلاقِ، ومنَ الإحسانِ الَّذي يحبُّهُ اللّهُ،

    قالَ اللَّهُ تعالى: (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). {البقرة:237}.

  • خامسًا: هل تعتبرُ الهدايا المقدَّمةُ في أثناءِ الخطبةِ منْ حقِّ المخطوبةِ بعدَ الزَّواجِ؟

    نعمْ تعتبرُ هدايا الخطبةِ منْ حقِّ المخطوبةِ بعدَ الزَّواجِ، لأنَّ الغايةَ منْ هذهِ الهدايا الوصولُ إلى الزَّواجِ، وقدْ تمَّ المقصودُ بالزَّواجِ.

  • سادسًا: ما هوَ الحكمُ الشَّرعيُّ في حالةِ استهلاكِ الهدايا؟

    اختلفَ الفقهاءُ في المسألةِ:

    ·      فذهبَ الحنفيَّةُ إلى: عدمِ جوازِ الرُّجوعِ في الهديَّةِ حالَ هلاكِها أوْ استهلاكِها، لأنَّ الهلاكَ أوِ الاستهلاكَ منْ موانعِ الرُّجوعِ بالهبةِ.

    ·      وذهبَ الشَّافعيَّةُ إلى: وجوبِ الرُّجوعِ بالبدلِ أوِ القيمةِ حالَ استهلاكِ الهدايا.

    ·      وذهبَ الحنابلةُ إلى: وجوبِ استرجاعِ القيمةِ إذا كانَ فسخُ الخطبةِ منَ المخطوبةِ لما فيهِ منَ الضررِ الواقعِ على الخاطبِ.

  • سابعًا: ما هيَ الشُّروطُ الَّتي يجبُ توافرُها لاستحقاقِها الاحتفاظَ بالهدايا؟

    ·      لا تستحقُّ المخطوبةُ هدايا الخطوبةِ إلَّا إذا كانَ العدولُ عنِ الخطبةِ (فسخُ الخطوبةِ) منْ قبلِ الخاطبِ لا منْ قبلِها على مذهبِ الحنابلةِ.

    ·      أوْ إذا وُجِدَ فيها مانعٌ منْ موانعِ الرُّجوعِ في الهبةِ كأنْ تغيَّرتِ الهديَّةُ بأنْ كانتْ قماشًا وخيطتْ أوْ هلكتْ أوِ استُهلكتْ على مذهبِ الحنفيَّةِ.

  • ثامنًا: هل يجوزُ استرجاعُ الهدايا إذا كانتْ فسخُ الخطوبةِ منْ طرفِ الرُّجلِ؟

    ·      لا يجوزُ على المذهبِ الحنبليِّ؛ لأنَّ فسخَ الخطوبةِ كانَ منْ جهتِهِ.

    ·      ويجوزُ للرجلِ استردادُ الهدايا الَّتي قدَّمها للمخطوبةِ إذا فسخَ الخطبةَ على المذهبِ الشَّافعيِّ والحنفيِّ؛ لأنَّها هبةُ ثوابٍ لغرضِ الزَّواجِ، ولمْ يتمَّ الغرضُ منها.

    ·      ويرجعُ بنصفِها على المذهبِ المالكيِّ.

  • تاسعًا: هل يختلفُ الحكمُ بينَ الهدايا الثَّمينةِ والهدايا العاديَّةِ في حالِ فسخِ الخطبةِ؟

    لا يفرِّقُ الفقهاءُ في الحكمِ في الهدايا للمخطوبةِ بينَ أنْ تكونَ غاليةَ الثَّمنِ أوْ هدايا عاديَّةٍ، لكنَّ العُرفَ قائمٌ أنَّ كلَّ ما يُهدى منْ ذهبٍ ومجوهراتٍ فهوَ شبكةٌ، أوْ في حكمِ الشَّبكةِ والَّتي تناولْنا أحكامَها بالتفصيلِ في مقالتِنا:

    (الأحكامُ المتعلِّقةُ بشبكةِ الخطوبةِ).

    تنبيه هام:

    إنَّ محتويات هذه المقالة خاصَّةً بموقع مؤمنة الإلكترونيِّ، ولا نجيز لأحد أخذها أو الاقتباس منها دون الإشارة لرابطها في موقعنا ولا نسامح على سرقة تعبنا فيها؛ نظرًا للوقت والجهد المبذولين فيها وحفاظًا على الحقوق العلميَّة لمحتوى موقعنا.