قصة الخضر مع موسى عليه السلام
اكتشف القصة الكاملة لنبي الله موسى مع العبد الصالح الخضر، من هو الخضر؟ ولماذا خرج موسى للقائه؟ وما حقيقة الكنز؟ قصة مشوقة مليئة بالحكم والعبر.

-
مقدمة
في أحد الأيام، وقف نبي الله موسى عليه السلام خطيبًا في بني إسرائيل، فسأله رجل:
"يا نبي الله، هل على وجه الأرض أحدٌ أعلم منك؟"
فأجاب موسى، بثقة العالم:
"لا."فعاتبه ربه على هذا الجواب، لأنه لم يُرجع العلم إليه سبحانه، وأوحى إليه:
"بل هناك عبد من عبادي هو أعلم منك في بعض الأمور."
هنا تبدأ رحلتنا.
-
بداية الرحلة: موسى يطلب العلم
رغم أن موسى عليه السلام نبيٌّ من أولي العزم، إلا أنه ما تردد لحظة في طلب العلم. سأل ربّه عن هذا العبد الصالح، وكيف يمكنه أن يجده. فأوحى الله إليه:
"احمل معك حوتًا (سمكة) في مكتل، وفي المكان الذي تفقد فيه الحوت، ستجد ذلك العبد الصالح."
فانطلق موسى، ومعه فتاه يوشع بن نون، وكان شابًا صالحًا وتلميذًا ملازمًا له، يحمل المتاع ويُرافقه في السفر.
سارا معًا لمسافات طويلة، حتى وصلا إلى صخرة، فجلسا ليستريحا، وهناك تسللت السمكة من المكتل إلى البحر، في مشهدٍ خارقٍ للعادة.
لكن الفتى نسي أن يخبر موسى.
وبعد أن مشيا مسافةً أخرى، قال موسى:
"آتِنا غداءنا، لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً."
فتذكّر الفتى:
"أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة؟ فإني نسيت الحوت... فاتخذ سبيله في البحر عجباً."
قال موسى بفرح:
"ذلك ما كنا نبغ."
أي: هذا هو الموضع الذي نبحث عنه!فرجعا على آثارهما حتى وصلا الصخرة.
-
اللقاء المنتظر: موسى والخضر
وصل موسى إلى المكان، فوجد رجلًا جالسًا على شاطئ البحر. لم يكن شكله غريبًا، لكنه كان هادئًا، ووجهه يدل على نور العلم.
اقترب موسى وقال:
"هل أتّبعك على أن تعلّمني مما عُلّمت رُشدًا؟"
فأجابه العبد الصالح – الذي نعرفه بـ "الخضر" – بحكمة:
"إنك لن تستطيع معي صبرًا..."
فقال موسى بتواضع:
"ستجدني إن شاء الله صابرًا، ولا أعصي لك أمرًا."
فقال الخضر:
"فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أُحدث لك منه ذكرًا."
وهنا بدأت الرحلة الثالثة، رحلة موسى مع الخضر.
-
المشاهد الثلاثة الغامضة التي قام بها الخضر أمام موسى عليه السلام
المشهد الأول: خرق السفينة
ركبا في سفينة مع بعض المساكين الذين وافقوا على أن يُقلّوهما مجانًا. وبينما هما في عرض البحر، قام الخضر بخرق السفينة!
تفاجأ موسى، وقال بانفعال:
"أخرقتها لتُغرق أهلها؟ لقد جئت شيئًا إمرا!"
فذكره الخضر:
"ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا؟"
المشهد الثاني: قتل الغلام
نزلا من السفينة، ومشيا حتى وجدا غلامًا صغيرًا، فقام الخضر بقتله فورًا!
قال موسى بغضب:
"أقتلت نفسًا زكيةً بغير نفس؟ لقد جئت شيئًا نُكرًا!"
فأجابه الخضر:
"ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا؟"
قال موسى:
"إن سألتك عن شيء بعدها فلا تُصاحبني. قد بلغت من لدنّي عذرًا."
المشهد الثالث: بناء الجدار
دخلا إلى قرية، فطلبا من أهلها طعامًا، لكنهم رفضوا. ورغم ذلك، وجد الخضر جدارًا يكاد يسقط، فقام بإصلاحه وبنائه من جديد، بلا مقابل.
فقال موسى:
"لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا!"
فقال له الخضر:
"هذا فراق بيني وبينك."
لكنه قبل أن يفارقه، قرر أن يشرح له حكم تلك الأفعال العجيبة.
التفسير: الحكمة من أفعال الخضر
قال الخضر:
1. أما السفينة، فكانت لمساكين يعملون في البحر، وكان هناك ملكٌ ظالم يأخذ كل سفينة صالحة بالقوة، فخرقتها لأحميها من المصادرة.
2. وأما الغلام، فكان كافرًا عاصيًا، ولو بقي حيًّا لأرهق والديه المؤمنَين، فقتله رحمةً بهم، وسيبدلهما الله خيرًا منه.
3. وأما الجدار، فكان لغلامين يتيمين، وكان تحته كنز لهما، وأبوهما كان رجلًا صالحًا، فأراد الله أن يبلغا سن الرشد ويستخرجا كنزهما في أمان.
ثم ختم بقوله:
"وما فعلته عن أمري، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا."
[الكهف: 82] -
من هو الخضر؟ أقوال العلماء في شخصيته
1. الخضر نبي (وهو الراجح)
لأنه قال: "وما فعلته عن أمري"، وهذا لا يكون إلا لنبي يتلقى وحيًا من الله.
2. الخضر وليٌّ صالح
وهو قول ضعيف، لأن تصرفاته تحتاج وحيًا خاصًا.
3. الخضر ملك
وهو قول شاذ لا دليل عليه.
الراجح عند جمهور العلماء: أن الخضر نبي من أنبياء الله.
-
هل الخضر ما زال حيًا إلى اليوم؟
سؤال يتكرر كثيرًا: هل الخضر ما زال حيًا؟ البعض يعتقد أنه لا يموت وأنه يتنقل بين الناس في الخفاء!
لكن الحقيقة:
- لا يوجد حديث صحيح يدل على أن الخضر حيّ.
- لم يثبت أنه لقي النبي محمد ﷺ ولا آمن به.
- ولو كان حيًّا في زمنه، لوجب عليه الإيمان والقتال معه كما فعل جبريل والملائكة.
إذن، الاعتقاد ببقائه حيًّا غير صحيح، ولا تقوم عليه حجة شرعية.
- لا يوجد حديث صحيح يدل على أن الخضر حيّ.
-
ماذا كان الكنز تحت الجدار؟
اختلف العلماء:
1. كنز مادي (ذهب أو مال):
o قاله عكرمة والحسن البصري.
o روي أنه كان لوحًا من ذهب مكتوبًا عليه وصايا وعلم.
2. كنز علمي (علم أو حكمة):
o قاله ابن عباس، وقيل إنه كتاب منقوش فيه وصايا نافعة.
الراجح أنه مالٌ محفوظ من الله لليتيمين، جزاءً لصلاح والدهما.
-
ماذا نستفيد من قصة الخضر؟
1. التواضع في طلب العلم
نبيٌّ مثل موسى يسافر ليتعلّم من عبدٍ صالح.
2. العلم عند الله وحده
فلكل إنسان باب علم فتحه الله له، ولا أحد يملك العلم كله.
3. الأقدار أحيانًا فيها رحمة لا نراها
ما ظنه موسى شرًّا (كالخرق والقتل)، كان فيه خيرٌ عظيم.
4. صلاح الآباء ينفع الأبناء
بسبب صلاح الأب، حفظ الله الكنز لولديه حتى كبرا.
-
خاتمة
قصة موسى مع الخضر ليست مجرد حكاية، بل درسٌ كبير في الثقة بالله، وفهم أقداره، والصبر على ما لا نفهمه.
الخضر لم يكن خارقًا كما يُشاع، بل عبدٌ صالح، علّمه الله من علمه، ووجّه أفعاله بوحي.
علينا أن نتدبّر القصة كما وردت في سورة الكهف، لا أن نُحمّلها خرافات وأساطير لا أصل لها.