قصة النبي دانيال عليه السلام: نبي الحكمة والثبات في وجه المحن

تعرف على قصة النبي دانيال عليه السلام كما وردت في كتب التاريخ الإسلامي، وأشهر الروايات الإسرائيلية عنه، وقصة الجب والأسدين، وموقف الصحابة من قبره، مع بيان موقف الإسلام من هذه الروايات وأقوال العلماء فيها.

قصة النبي دانيال عليه السلام: نبي الحكمة والثبات في وجه المحن
قصة النبي دانيال عليه السلام
  • مقدمة

    من قصص أنبياء بني إسرائيل التي تفيض بالعبر والدروس قصة نبي الله دانيال عليه السلام، وهو نبي من أنبياء الله الذين لم ترد قصتهم في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الشريفة بوضوح، إلا أن المرويات التاريخية التي رواها الثقات من علماء الإسلام، كمثل الحافظ ابن كثير، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهما، رسمت ملامح من سيرته العطرة، وما واجهه من البلاء والثبات، وما أجراه الله على يديه من الكرامات.

    وتُعدُّ قصة النبي دانيال مثالًا فريدًا في الثبات على الحق، والإيمان العميق برب العالمين، كما تبرز فيها مظاهر رحمة الله وعنايته بأوليائه، وهي من أخبار بني إسرائيل التي لا بأس بروايتها، ما لم تخالف العقيدة الإسلامية، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".

  • نسب دانيال ووقته وزمانه

    لم يُثبت في المصادر الإسلامية توقيت دقيق لبعثة دانيال عليه السلام، إلا أن الروايات تفيد بأنه كان بين زمن النبي داود عليه السلام، وزمن النبيين زكريا ويحيى عليهما السلام. وتشير بعض الروايات إلى أن دانيال عاش في الفترة التي هجم فيها الملك البابلي بختنصر على بيت المقدس، حيث قتل الكثير من بني إسرائيل، وسبى من بقي منهم، وأحرق التوراة.

    وقد ورد أن بختنصر أسر دانيال، وقيل إنهم وجدوه ميتًا حين دخلوا بيت المقدس، ويبدو من الروايات أن هناك اثنين من بني إسرائيل باسم دانيال، أحدهما يُطلق عليه دانيال الأكبر، والآخر دانيال الأصغر، والله أعلم بالصواب.

  • دانيال في السبي البابلي

    من أشهر أحداث قصة دانيال عليه السلام ما وقع له بعد أن أسره بختنصر، إذ قيل إنه أُلقي في جب أسود –أي بئر فيها أسود– لعقابه أو التخلص منه، ومع ذلك فقد نجا بأعجوبة ربانية عظيمة، حيث سخر الله له الأسد ولبوته، فلم يؤذياه، بل كانا يلحسانه بلطف كأنه من بني جنسهما.

    وتروي كتب التاريخ الإسلامي، ومنها ما أورده الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية"، أن دانيال مكث في الجب أيامًا، حتى اشتد به الجوع والعطش، فأوحى الله إلى نبي آخر هو أرمياء عليه السلام، أن يهيئ له طعامًا وشرابًا ويذهب به إليه، رغم أن دانيال كان في العراق، وأرمياء في بلاد الشام. وعندما استغرب أرمياء من المسافة البعيدة، أوحى الله إليه أن يجهز الطعام، وأن الله سيتولى أمر إيصاله، وبالفعل أوصل الله الطعام إلى دانيال في الجب، وكانت له لحظة عجيبة من التسبيح والاعتراف بالفضل الإلهي، فقال:

    "الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي يجيب من دعاه، والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانًا، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة، والحمد لله الذي هو يكشف ضرنا وكربنا، والحمد لله الذي يقينا حين يسوء ظننا بأعمالنا، والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا."

  • خاتم دانيال ومعجزته في الطفولة

    ومن الحكايات المؤثرة المرتبطة بدانيال، والتي يذكرها أبو الزناد وأوردها ابن أبي الدنيا، أن أبا موسى الأشعري عندما دخل مدينة تُستر في بلاد فارس أثناء الفتح الإسلامي، عثر على قبر رجل صالح يُعتقد أنه دانيال عليه السلام. وقد وجده الصحابة محفوظ الجسد، كأنما دُفن حديثًا. وكان مع الرجل خاتم، عليه نقش لصورة رجل بين أسدين يلحسانه. فسأل أبو موسى علماء البلدة عن سر هذا النقش، فقالوا له: إن دانيال عندما وُلد، حذر المنجمون ملك زمانه من أنه سيولد غلام يُذهب ملكه، فأمر بقتل كل مولود في تلك الليلة، لكن دانيال نُجي وأُلقي في أجمة أسود، فباتت الأسود تلاطفه. ولما نجا من هذا الحادث، أمر بنقش تلك الصورة على خاتمه، تذكيرًا له بنعمة الله عليه.

  • أمر عمر بن الخطاب بإخفاء قبره

    عندما عثر المسلمون على جثمان دانيال في فتح تستر، أرسل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في أمر هذا الجثمان، فكتب إليه عمر يأمره أن يُحفر له ثلاثة عشر قبرًا في أماكن متفرقة في النهار، ثم يُدفن دانيال في أحدها ليلًا، حتى لا يُعرف قبره فيفتتن به الناس. وبالفعل نُفذ هذا الأمر بدقة، ليُغيب جسده عن أعين الناس، حماية لعقيدة التوحيد من أن يُتخذ قبره مزارًا أو معبدًا، كما جرت عادة الأمم السابقة.

    وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" هذا الأثر، وبيَّن حرص عمر على سد أبواب الشرك، حتى ولو كان ذلك مع نبي صالح.

  • هل ثبتت نبوته؟

    لم يُذكر اسم دانيال في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية الصحيحة، ولهذا اختلف العلماء في كونه نبيًا أو رجلًا صالحًا فقط. لكن كثرة الروايات التي نُقلت عن الصحابة والتابعين والكتب التاريخية الإسلامية ترجح كونه نبيًا من أنبياء بني إسرائيل، وقد أورد ابن كثير كثيرًا من أخباره في "البداية والنهاية"، مع إشارات إلى فضله وعلمه وتقواه.

    كما وصفه العلماء بالحكمة والعلم، وذكروا أنه كان يُفسر الرؤى والأحلام، ويعلم الغيب الجزئي بإلهام من الله، كما كان يعظ بني إسرائيل ويثبتهم على دينهم في وقت الشدائد.

  • ما قيل عن صفته

    وردت روايات من أهل التفسير والتاريخ أن دانيال كان ضخم الخلقة، طويل الأنف، حتى قيل عن أنفه أنه شبر، وقال أنس بن مالك إن طوله ذراع. وهي صفات جسدية قد تدل على كونه من الأمم السابقة التي كانت أعمارها وأجسادها طويلة.

  • مكانة دانيال في الإسلام

    رغم أن قصته ليست من القصص التي وردت في القرآن، إلا أن لها مكانة خاصة في التراث الإسلامي لما فيها من الدروس الإيمانية، فهي من القصص التي تجلّي لطف الله بأوليائه، وقدرته على حفظهم، وكيف يُسخر لهم من لا يخطر على بال –كالحيوانات المفترسة– ليكونوا لهم سببًا للنجاة. كما تُبيّن القصة أثر الذكر والثقة بالله، والثبات على المبدأ، وعدم المساومة على الحق.

  • خاتمة

    قصة النبي دانيال عليه السلام من أعظم القصص التي تُروى للعبرة والتأمل، وهي من أخبار بني إسرائيل التي لا تصادم شرعنا، بل تعزز معاني الإيمان والثبات والاعتماد على الله. وقد حفظ الله ذكره في الكتب السابقة، وخلّده المسلمون برواياتهم في كتب التاريخ، وأوردوا أخباره للعظة والاعتبار. ومع أن قبره أُخفي بناءً على أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلا أن ذكراه لا تزال حيّة، ترويها الكتب وتتناقلها الألسن جيلاً بعد جيل.