حكم زواج المسلمة من غير المسلم والحكمة من تحريمه
تعرف على حكم زواج المسلمة من غير المسلم في الإسلام، مع الأدلة الشرعية من القرآن والسنة، وبيان الحكمة من هذا التحريم، والفرق بين زواج المسلم من الكتابية وزواج المسلمة من غير المسلم.

-
مقدمة
يُعَدّ الزواج في الإسلام ميثاقاً غليظاً، يقوم على المودة والرحمة، ويحفظ للأسرة توازنها واستقرارها. ومن المسائل الشرعية التي يكثر السؤال عنها: لماذا لا يجوز للمسلمة أن تتزوج من غير المسلم، بينما يجوز للمسلم الزواج من الكتابية (اليهودية أو المسيحية)؟. هذا الحكم له أصل قرآني وسنة نبوية، كما أن له حِكَماً بالغة تتعلق بالعقيدة والأسرة والمجتمع.
-
أدلة الشرعية على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم
جاء النص القرآني صريحاً في هذا الباب، حيث قال الله تعالى:
· **﴿وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُو۟لَـٰٓئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ ۖ وَٱللَّهُ يَدْعُوٓا إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: 221].
· **﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ [الممتحنة: 10].
فهذه الآيات واضحة في تقرير قاعدة شرعية وهي: المسلمة لا تحل لغير المسلم حتى يؤمن ويدخل في الإسلام.
-
الحكمة من هذا التحريم
الأحكام الشرعية تقوم على مقاصد عليا، ومن أهم الحِكم في منع زواج المسلمة من غير المسلم:
1. حماية العقيدة:
الزواج رابطة قوية تؤثر في الزوجين معاً. والمرأة بطبيعتها أكثر تأثراً بعاطفتها، وقد تتأثر بدين زوجها إذا كان غير مسلم، مما قد يعرّضها لخطر الانحراف العقدي.2. قوامة الرجل:
جعل الله تعالى القوامة للرجل على زوجته، قال سبحانه:o ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34].
فلا يُعقل أن يكون لكافر قوامة على مؤمنة، وقد قال تعالى:o ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141].
3. مصلحة الأولاد:
الأولاد غالباً يتبعون دين أبيهم، فلو تزوجت المسلمة بغير مسلم فقد ينشأ الأبناء بعيدين عن الإسلام، وهو ما يتعارض مع مقاصد الشرع في حفظ الدين.4. غياب الاحترام المتبادل:
المسلم إذا تزوج كتابية فهو يؤمن بدينها الأصلي وبأنبيائها، أما غير المسلم فلا يؤمن برسالة الإسلام ولا بالنبي محمد ﷺ، مما يخلق فجوة جوهرية في احترام عقيدة الزوجة، ويجعل الحياة الزوجية معرضة للتوتر.5. إعلاء شأن الإسلام:
الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، فإباحة زواج المسلمة من غير المسلم تعني أن الكافر سيكون له ولاية على المسلمة، وهو ما يتنافى مع روح الدين الذي جعل كرامة المؤمن محفوظة. -
لماذا يجوز للمسلم الزواج من الكتابية ولا يجوز العكس؟
- المسلم يؤمن بجميع الأنبياء والكتب السماوية، ويحترم ديانة زوجته الكتابية، بينما غير المسلم لا يؤمن بالإسلام ولا بالنبي محمد ﷺ.
- المسلم مكلف بتربية أولاده على الإسلام، بينما في حال كان الأب غير مسلم، فإن الأولاد معرضون لترك دين أمهم.
- القوامة في الزواج تكون للمسلم، فلا يخشى عليه من الانحراف، بل قد يكون زواجه سبباً لهداية زوجته.
- المسلم يؤمن بجميع الأنبياء والكتب السماوية، ويحترم ديانة زوجته الكتابية، بينما غير المسلم لا يؤمن بالإسلام ولا بالنبي محمد ﷺ.
-
أقوال العلماء في المسألة
· قال الإمام الكاساني في بدائع الصنائع:
"لا يجوز إنكاح المؤمنة الكافر؛ لأن في ذلك خوف وقوع المؤمنة في الكفر، إذ الزوج يدعوها إلى دينه، والنساء في العادات يتبعن الرجال فيما يؤثرون".
· وقالت دار الإفتاء المصرية:
"العلة الأساس في هذا التحريم تعبدية، وقد يظهر معها بعض الحِكم، أهمها أن غير المسلم لا يحترم عقيدة الزوجة المسلمة كما يحترم المسلم عقيدة زوجته الكتابية".
-
الخلاصة
تحريم زواج المسلمة من غير المسلم حكم قطعي ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو مرتبط بحماية العقيدة، وصيانة الأسرة، وضمان حقوق الأبناء. أما زواج المسلم بالكتابية فقد رُخِّص فيه لحِكم خاصة، مع بقاء الأصل في تفضيل الزواج بالمسلمة، لأنه أكثر ضماناً للاستقرار الديني والأسري.
فالزواج في الإسلام ليس مجرد علاقة اجتماعية، بل هو ميثاق غليظ قائم على الإيمان والاحترام المتبادل، وحينما يُحفظ هذا الميثاق في ضوء الشرع، تتحقق مقاصده من المودة والرحمة والسكينة.