حكم عدم تفاعل الزوجة مع زوجها في الفراش وأهم النصائح الشرعية لتقوية الألفة الزوجية
"تعرف على الحكم الشرعي لعدم تفاعل الزوجة مع زوجها في الفراش، مع عرض أقوال المذاهب الأربعة والفتاوى المعتبرة، وأهم النصائح الشرعية والعملية لتعزيز الألفة والمودة والرحمة بين الزوجين وبناء حياة أسرية مستقرة."

-
مقدمة
شرع الله تعالى الزواج ليكون سكنًا للنفس وراحة للقلب، وميدانًا للمودة والرحمة بين الزوجين، قال تعالى:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].ومن القضايا التي قد تثار في الحياة الزوجية: أن يكون الجماع قائمًا، لكن الزوجة لا تتفاعل أو لا تبدي تجاوبًا مع زوجها، فيبقى الزوج حائرًا بين الحكم الشرعي والمعالجة العملية. وفي هذا المقال نبيّن حكم عدم تفاعل الزوجة مع زوجها في الفراش؟ وهل يقتصر الأمر على التمكين الشرعي أم يتعدّاه إلى وجوب التفاعل العاطفي والبدني؟
ثم نعرض النصائح الشرعية التي تساعد على تقوية الألفة بين الزوجين.
-
الحكم الشرعي بين "التمكين" و"التفاعل"
· التمكين (واجب شرعي):
أجمع الفقهاء على أن تمكين الزوجة لزوجها من نفسها حق ثابت له بعد العقد الصحيح وتسليم الصداق، ما لم يكن هناك عذر شرعي كمرض أو حيض. وهذا الحق مقابل النفقة التي يلتزم بها الزوج.
قال ابن قدامة في المغني: "وإذا سلّم الزوج الصداق، فلها أن تمنعه نفسها حتى تقبض صداقها، فإذا قبضته وجب عليها تمكينه".· التفاعل (مستحب إنساني):
أما التفاعل العاطفي والبدني أثناء العلاقة فهو ليس بواجب تكليفي بالمعنى الفقهي، لكنه يدخل في باب المعاشرة بالمعروف التي أمر بها الشرع، كما قال تعالى:
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
فعدم التفاعل ليس معصية إذا حصل التمكين، لكنه يُعتبر قصورًا في حسن العشرة، ويؤثر سلبًا على الألفة الزوجية. -
أقوال المذاهب الأربعة في التمكين
1. الحنفية:
رأوا أن الزوجة إذا امتنعت من التمكين بلا عذر فهي "ناشز" وتسقط نفقتها.2. المالكية:
أكدوا أن للزوج حق الاستمتاع متى شاء إلا في حال الحيض أو المرض، وألزموا الزوجة بالتمكين.3. الشافعية:
اشترطوا صحة العقد واستيفاء المهر، فإذا تحقق ذلك وجب التمكين الكامل.4. الحنابلة:
قال ابن قدامة: "ومتى دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فهي عاصية ناشزة". واستدل بحديث النبي ﷺ:
«إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح» (رواه البخاري ومسلم).· اتفق الفقهاء على أن الزوجة مأمورة بتمكين زوجها من نفسها إذا دعاها إلى الفراش، ما لم يكن لها عذر شرعي كحيض أو مرض أو مشقة ظاهرة. ودليل ذلك حديث النبي ﷺ:
«إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح» (متفق عليه).· أما إذا حصل الجماع بالفعل، ولكن الزوجة لم تتفاعل معه، فالأصل أنها قد أدت الواجب، لكن يبقى التفاعل والمشاركة من باب المستحب وحسن العشرة. وقد أمر الشرع بذلك في قوله تعالى:
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].· وعليه: عدم التفاعل لا يُعَدّ معصية صريحة إذا حصل التمكين، لكنه نقص في إتمام المودة والانسجام الذي قصده الشرع من العلاقة الزوجية. ولهذا كان التودد والتجمل من حق الزوج على زوجته، كما أن الإحسان والرفق من حقها على زوجها.
-
فتاوى العلماء المعاصرين
- اللجنة الدائمة للإفتاء (ابن باز وابن عثيمين): أفتوا بأن امتناع الزوجة عن تمكين زوجها بغير عذر شرعي كبيرة من الكبائر، لكن يجب على الزوج أن يتقي الله في المعاشرة ويعاملها بالرفق واللين.
- فتاوى إسلام ويب: أوضحت أن التمكين واجب، بينما التفاعل له بُعد نفسي يتطلب مراعاة الطرف الآخر.
- السيد السيستاني: صرّح أن الزوجة إذا امتنعت من تمكين الزوج من نفسها مطلقًا أو جزئيًا بلا عذر، فإنها لا تستحق النفقة.
- اللجنة الدائمة للإفتاء (ابن باز وابن عثيمين): أفتوا بأن امتناع الزوجة عن تمكين زوجها بغير عذر شرعي كبيرة من الكبائر، لكن يجب على الزوج أن يتقي الله في المعاشرة ويعاملها بالرفق واللين.
-
أهمية التهيئة النفسية والتفاعل العاطفي
العلاقة الزوجية ليست جسدية فقط، بل تحتاج إلى تهيئة نفسية. وقد كان النبي ﷺ يلاطف زوجاته ويهيئهن قبل المعاشرة. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:
«كان رسول الله ﷺ يُقبّل بعض نسائه ثم يباشرها وهو صائم» (رواه مسلم).وهذا يدل على أن المداعبة والتهيئة جزء من المعاشرة بالمعروف، وهو ما يعزز التفاعل والاستمتاع للطرفين.
-
الأسباب المحتملة لغياب التفاعل
قد تكون الزوجة غير متفاعلة لأسباب متعددة، منها:
- ضغوط نفسية أو انشغال ذهني.
- فتور بدني أو تعب شديد.
- ضعف ثقافة في العلاقة الخاصة.
- غياب العاطفة أو إهمال الزوج لمرحلة المداعبة.
ولذلك كان من هدي الإسلام أن تُبنى العلاقة الخاصة على الرفق والملاطفة، فقد ورد أن النبي ﷺ كان يلاعب أهله ويلاطفهن.
- ضغوط نفسية أو انشغال ذهني.
-
النصائح الشرعية والعملية لتقوية التفاعل
للتغلب على مشكلة عدم التفاعل بين الزوجين، يُنصح بما يلي:
1. اللجوء إلى الله تعالى: فهو الموفق والهادي إلى الخير، والدعاء سبب عظيم للإصلاح.
2. الإكثار من المداعبات والثناء: على الزوج أن يكثر من القبلات واللمسات وكلمات المديح قبل الوطء، فذلك يهيئ الزوجة للتجاوب.
3. اكتشاف مواطن اللذة: من الحكمة أن يعرف الزوج ما تحبه زوجته في العلاقة، ويجتهد في إدخال السرور عليها.
4. تجنب النقاش في غرفة النوم: لأن الجدال يطفئ الرغبة ويزرع النفور.
5. ترك الروتين الصارم: فالعلاقة لا ينبغي أن تكون بجدول أو توقيت محدد، بل بحسب الرغبة والاستعداد.
6. إزالة أسباب النفور: مثل الروائح الكريهة، أو العنف، أو الاستعجال بعد قضاء الوطر دون مراعاة شريك الحياة.
7. إشعارها بالمحبة: على الزوج أن يثني على جمالها وزينتها، فالكلمة الطيبة تبعث في النفس طمأنينة وتفتح أبواب التفاعل.
8. إشعارها بالأمان: فإذا شعرت المرأة بالأمان والاحتواء من زوجها، بادلت بالحب والتقدير.
9. ترك المقارنة والانتقاد: لأن النقد الجارح أو المقارنة مع غيرها يقتل الثقة ويزرع الفتور.
10. تفهم دورها في الحياة: فلا يُجبرها الزوج على ترك عملها أو ما تحبه، بل يتأقلم مع وضعها ما دام في حدود الشرع.
11. زيادة الثقافة الزوجية: بقراءة ما ينفع من الكتب الموثوقة، أو الاستماع لأهل الاختصاص في الفقه والنصح الأسري.
12. الاشتراك في الطاعات: فإن التعاون على العبادة والخير يقوي رابطة القلب، كما قال تعالى:
{وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 90].13. طلب المشورة عند الحاجة: من أهل العلم أو من الأطباء والمستشارين، فإن المشورة باب من أبواب الإصلاح.
14. الصبر: وهو مفتاح الفرج، ومن لزم الصبر في حياته الزوجية حصد ثماره مع الأيام.
-
الخاتمة
يتضح أن تمكين الزوجة لزوجها واجب شرعي يترتب عليه حق النفقة، بينما التفاعل العاطفي والبدني مستحب مؤكد يدخل في باب حسن العشرة ودوام المودة. فالعلاقة الزوجية في الإسلام ليست مجرد عقد حقوق وواجبات، بل هي بناء روحي وجسدي قائم على السكينة والرحمة.
وإذا التزم الزوجان بالمعاشرة بالمعروف، وراعى كل منهما حاجات الآخر، عاشا حياة مليئة بالحب والاحترام، كما قال تعالى:
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].