حكم ثقب الأنف للزينة في الإسلام: بين الجواز والمنع
تتناول هذه المقالة حكم ثقب الأنف للمرأة بغرض التزين في ضوء أقوال العلماء وآرائهم المختلفة، مع توضيح الأدلة الشرعية، وبيان ما يتعلق بالعادات والضرر، وموقف الطب من هذه العادة. المقالة موجهة لمن يبحث عن فهم شرعي دقيق وفقه عملي لحكم هذه المسألة.

-
مقدمة
يُعد التزين من الأمور الفطرية التي فُطرت عليها المرأة، ومن وسائل الزينة المنتشرة في بعض المجتمعات ثقب الأنف لتعليق الحُلي. ومع شيوع هذه الظاهرة، اختلفت الآراء حول حكمها الشرعي، خصوصاً في ظل تنوع الأعراف والمجتمعات. فما هو حكم ثقب الأنف للزينة؟ وهل يُعد من الزينة المباحة؟ أم أنه من التعدي على الجسد وتشويهه؟ نستعرض في هذه المقالة أقوال العلماء ونتناول المسألة من الجوانب الشرعية والطبية.
-
أقوال العلماء في حكم ثقب الأنف
الرأي الأول: المنع المطلق – مذهب الشافعية
يرى الشافعية أن ثقب الأنف – ومثله الشفة – محرم مطلقاً سواء للصبي أو الصبية. وقد علّل ابن حجر الهيتمي هذا الحكم في "تحفة المحتاج" بأن ثقب الأنف لا يُعد زينة معتبرة شرعاً أو عرفاً، إلا عند فئة قليلة لا يُعتد بها شرعًا. وقد قال:
"ويظهر في خرق الأنف بحلقة تعمل فيه من فضة أو ذهب أنه حرام مطلقاً، لأنه لا زينة في ذلك يُغتفر لأجلها، إلا عند فرقة قليلة ولا عبرة بها مع العرف العام."
ويؤكد هذا الرأي الإمام البجيرمي في "تحفة الحبيب"، حيث نقل عن الشريف الرحماني قوله:
"خرق الأنف لما يُجعل فيه من نحو حلقة نقد حرام مطلقاً، ولا عبرة باعتياد ذلك لبعض الناس في نسائهم."
الرأي الثاني: الجواز بضوابط – وهو الراجح عند الجمهور
يرى جمهور العلماء أن ثقب الأنف جائز للمرأة إذا كان للزينة، وجرى به العُرف بين النساء المسلمات، بشرط عدم ترتب ضرر، وعدم التشبه بعادات غير المسلمين. وهذا الرأي مستند إلى قاعدة القياس على ثقب الأذن، والذي أجازه أكثر العلماء استناداً إلى الحاجة التزينية عند المرأة.
وقد نصّ ابن عابدين الحنفي على ذلك بقوله:
"إن كان مما تتزين النساء به كما هو في بعض البلاد، فهو فيها كثقب القراط."
فتاوى المعاصرين في ثقب الأنف للزينة
· الشيخ محمد العثيمين: أفتى بجواز ثقب الأذن، وأما الأنف، فرأى أن فيه مثُلة وتشويه في بعض البلدان، إلا إذا كان يُعد زينة في عرف النساء، فلا بأس به.
"إذا كانت المرأة في بلد يُعد تحلية الأنف فيه زينة وتجملاً فلا بأس بثقب الأنف لتعليق الحلية عليه."
· الشيخ عبد المحسن العباد: أفتى بجواز ثقب الأنف إذا جرت العادة بذلك عند النساء، واعتبره شبيهاً بثقب الأذن.
· دار الإفتاء المصرية عبر الشيخ محمد عبد السميع والشيخ عبد الله العجمي: أجازا ثقب الأنف للزينة إذا لم يكن فيه ضرر، وكان ضمن عرف النساء، مع مراعاة النظافة وتعقيم الأدوات.
-
الضوابط الشرعية لجواز ثقب الأنف
1. أن يكون لغرض الزينة المشروع وليس مجرد تقليد أو طيش.
2. أن يوافق العُرف العام في المجتمع، ولا يُعد خروجاً عن الحياء أو مخالفاً للمروءة.
3. ألا يُسبب ضرراً طبياً أو أذى دائمًا، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار."
4. عدم التشبه بعادات الكفار أو الطقوس الهندوسية، فالتشبه بالمنحرفين محرم في الشريعة الإسلامية.
-
حكم ثقب الأذن وأثره على حكم الأنف
اتفق جماهير أهل العلم على جواز ثقب أذن المرأة للزينة، واستدلوا بذلك على جواز ثقب الأنف، بناء على العرف والحاجة.
قال الشيخ صالح الفوزان:
"لا بأس بثقب أذن الجارية لوضع الحلي، وقد ثبت أن نساء الصحابة كن يلبسن الحلي في آذانهن من غير نكير."
وقال ابن عثيمين:
"ثقب الأذن من المقاصد التي يُتوصل بها إلى التحلي المباح، وهذا تعذيب بسيط، وإذا فُعل في الصغر كان برؤه سريعًا."
-
رأي الطب في ثقب الأنف
حذّر الدكتور هاني الناظر، استشاري الأمراض الجلدية، من الأضرار المحتملة لثقب الأنف، وبيّن الآثار الصحية التي قد تترتب عليه، منها:
- التهابات موضعية قد تترك ندبات.
- تشوهات جلدية دائمة في حال سوء العناية.
- عدوى ميكروبية قد تُسبب تقيحات.
- حساسية المعادن لدى بعض الفتيات مما يؤدي إلى ظهور أعراض مزعجة.
لذلك شددت الجهات الطبية على ضرورة إجراء الثقب تحت إشراف مختص، باستخدام أدوات معقمة، وتجنب المعادن المهيّجة.
- التهابات موضعية قد تترك ندبات.
-
خلاصة القول: ما هو الحكم الراجح؟
- ثقب الأنف للمرأة للزينة جائز إذا كان في مجتمع يُعد فيه زينة، وبشرط عدم الضرر وعدم التشبه بالكافرات.
- لا يُستحب ثقب الأنف إذا كان فيه ضرر طبي، أو خروج عن المألوف والعرف المقبول.
- المعيار في الحكم هو الحاجة، والعرف، وعدم الإضرار، وعدم التشبه المحرم.
- ثقب الأنف للمرأة للزينة جائز إذا كان في مجتمع يُعد فيه زينة، وبشرط عدم الضرر وعدم التشبه بالكافرات.
-
الخاتمة
ثقب الأنف من المسائل التي خضعت لاختلاف الفقهاء حسب الزمان والمكان والعُرف، وبين الجواز المشروط والمنع المطلق، يظهر أن الحكم يدور مع الحاجة والعرف والضرر. فلا يُمنع مطلقاً، ولا يُباح بلا قيد. ومن الحكمة في التشريع الإسلامي مراعاة الواقع، وتقدير المصلحة والمفسدة في كل مسألة.