حكم مصافحة المرأة الأجنبية بالتفصيل
اكتشف الحكم الشرعي لمصافحة المرأة الأجنبية في الإسلام، مع بيان الأدلة من السنة وأقوال المذاهب الأربعة، وحكم المصافحة مع القفاز، وحكمها تفادياً للحرج أو في حالات الضرورة الشرعية."

جدول المحتويات
- مقدمة
- تعريف المصافحة وحكمها العام
- أدلة تحريم مصافحة المرأة الأجنبية
- أقوال المذاهب الأربعة في حكم المصافحة
- مناقشة الشبهات المعاصرة
- فتاوى العلماء المعاصرين
- المصافحة مع وجود الحائل (القفاز أو الثوب)
- حكم المصافحة تفادياً للحرج
- حكم مصافحة المرأة الأجنبية للضرورة
- حكم مصافحة العجوز الكبيرة والشيخ الكبير بالسن
- البدائل الشرعية للمصافحة
- الخاتمة
-
مقدمة
تُعدّ قضية مصافحة المرأة الأجنبية من المسائل الشرعية التي يكثر السؤال عنها في العصر الحديث، خاصة مع توسع العلاقات الاجتماعية وتداخل الأعراف بين المسلمين وغيرهم. وبينما يرى البعض أن المسألة خلافية، فإن استقراء أقوال الفقهاء والمذاهب الإسلامية يبين وضوح الحكم الشرعي وتحقيق مناطه، حيث إن المصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية الشابة محرمة بإجماع الفقهاء، مع اختلافهم في حكم مصافحة العجوز التي لا تُشتهى.
-
تعريف المصافحة وحكمها العام
المصافحة هي: مباشرة اليد باليد عند اللقاء، وهي من السنن الثابتة بين المسلمين من جنس واحد، فقد صح عن النبي ﷺ أنه قال:
"ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفر لهما قبل أن يفترقا" (رواه أبو داود والترمذي).
لكن هذه الفضيلة مقيدة بما أباحه الشرع، ولا تشمل مصافحة الأجنبيات، لما يترتب على ذلك من المفاسد الشرعية.
-
أدلة تحريم مصافحة المرأة الأجنبية
حكم مصافحة النساءء 1. من السنة النبوية
- حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
"لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"
(رواه الطبراني وصححه الألباني).- حديث أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت:
"بايعت رسول الله ﷺ في نسوة، فقال: فيما استطعتن وأطقتن. قلت: يا رسول الله ألا تصافحنا؟ قال: إني لا أصافح النساء"
(رواه مالك وأحمد والنسائي).هذا النص صريح في أن النبي ﷺ لم يصافح النساء عند البيعة، مع أن المقتضي موجود (توثيق البيعة)، مما يدل على أن تركه تشريع للأمة.
2. من القواعد الشرعية
- قاعدة سد الذرائع: المصافحة باب من أبواب الفتنة وإثارة الشهوة، لذلك منعها الشرع سداً للذريعة.
- قاعدة ما أدى إلى الحرام فهو حرام: فاللمس مقدمة لمفسدة أعظم، لذا كان ممنوعاً.
- حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
-
أقوال المذاهب الأربعة في حكم المصافحة
1. المذهب الحنفي
- نص علماء الحنفية على تحريم مصافحة الشابة الأجنبية، وأجازوا مصافحة العجوز إذا أُمنت الفتنة.
جاء في الهداية: "أما العجوز التي لا تُشتهى؛ فلا بأس بمصافحتها إن أُمن على نفسه".
2. المذهب المالكي
- يرون التحريم مطلقاً، سواء كانت المرأة شابة أو عجوزاً.
قال الدسوقي: "يحرم على المرأة لمس الأجنبي الوجه والأطراف، كما يحرم على الرجل لمس ذلك منها".
3. المذهب الشافعي
- يمنعون مطلقاً من المصافحة، حتى لو كان في موضع بيع أو شراء.
قال النووي: "كل من حرم النظر إليه حرم مسه".
4. المذهب الحنبلي
- حرّموا مصافحة الشابة، وأجازوا مصافحة العجوز إذا أُمنت الفتنة.
قال في كشاف القناع: "ولا تجوز مصافحة المرأة الأجنبية الشابة؛ لأنها شر من النظر".
- نص علماء الحنفية على تحريم مصافحة الشابة الأجنبية، وأجازوا مصافحة العجوز إذا أُمنت الفتنة.
-
مناقشة الشبهات المعاصرة
الشبهة الأولى: أن المصافحة من العادات الاجتماعية
الجواب: لا حرج في تركها، ويمكن الاكتفاء بالسلام اللفظي أو الإشارة باليد دون مس، وهو ما يحقق الغرض الاجتماعي من غير مخالفة شرعية.
الشبهة الثانية: أن النبي ﷺ لم ينهَ عن ذلك صراحةً
الجواب: امتناعه ﷺ عن المصافحة مع وجود الحاجة (البيعة) يعدّ دليلاً عملياً أقوى من مجرد القول.
الشبهة الثالثة: القول بأن النهي خاص بالنبي ﷺ
الجواب: الأصل أن أحكام النبي ﷺ تشريع للأمة إلا إذا دل الدليل على الخصوصية، ولا دليل هنا. بل هو أولى بالترخيص لو كان الأمر جائزاً، ومع ذلك امتنع.
-
فتاوى العلماء المعاصرين
- ابن باز رحمه الله: "لا تجوز المصافحة لغير المحارم مطلقاً، سواء كانت شابة أو عجوزاً".
- ابن عثيمين رحمه الله: "القول بأن المصافحة لا بأس بها إذا أُمنت الفتنة قول باطل، والواجب اجتنابها".
- اللجنة الدائمة للإفتاء: "لا يجوز للرجل مصافحة المرأة الأجنبية، ولو كان ذلك من باب المجاملة".
- ابن باز رحمه الله: "لا تجوز المصافحة لغير المحارم مطلقاً، سواء كانت شابة أو عجوزاً".
-
المصافحة مع وجود الحائل (القفاز أو الثوب)
اختلف العلماء في حكم مصافحة المرأة الأجنبية مع وجود حاجز أو قفاز، فذهب فريق إلى المنع المطلق، بينما أجاز آخرون ذلك بشروط:
· رأي الحنابلة: نقل عن الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – التشديد في المنع، حتى مع وجود ثوب أو قفاز، فقد جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح أن الإمام أحمد سُئل عن الرجل يصافح المرأة بحائل، فقال: "لا"، وشدد في ذلك جداً، معتبراً أن وجود الحائل لا يزيل علة الفتنة.
· رأي الشافعية: أجازوا المصافحة مع وجود الحائل إذا أُمنت الفتنة وانتفت الشهوة، مستدلين على ذلك بقاعدة جواز اللمس بالحائل في غير موضع الفتنة، وقد جاء في نهاية المحتاج (3/188): "يجوز للرجل مصافحة الأجنبية مع الحائل وأمن الفتنة"، لكنهم قيّدوا ذلك بانتفاء مظنة الشهوة، ومنعوا مس بقية الجسد حتى من وراء الحائل.
· رأي الجمهور: ذهب المالكية وكثير من العلماء إلى التحريم مطلقاً، سواء وُجد الحائل أو لم يوجد، لعموم النصوص الناهية عن مس المرأة الأجنبية، واستناداً إلى فعل النبي ﷺ حيث قالت عائشة رضي الله عنها: "والله ما مست يد رسول الله ﷺ يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام" (رواه البخاري).
الخلاصة: أن القول بالمنع مطلقاً هو الأرجح والأحوط، خصوصاً في زمن كثرت فيه دواعي الفتنة، أما القول بالجواز مع الحائل وأمن الفتنة فهو رأي بعض الشافعية، لكنه خلاف ما عليه جمهور الفقهاء.
-
حكم المصافحة تفادياً للحرج
قد يواجه بعض المسلمين مواقف اجتماعية أو مهنية يشعرون فيها بالحرج عند الامتناع عن مصافحة المرأة الأجنبية، سواء كان ذلك في بيئة عمل أو لقاء رسمي. إلا أن الحرج ليس عذراً شرعياً يبيح المحظور، فالأصل أن المسلم يلتزم بأوامر الله ونواهيه، ولو خالف أعراف المجتمع أو توقع لوم الناس، لأن طاعة الله مقدمة على رضا المخلوق.
وقد نص العلماء على أن الضرورة التي تبيح المحظور هي ما يترتب على تركه هلاك النفس أو وقوع مشقة بالغة لا تحتمل، وليس مجرد الخجل أو الحرج. قال تعالى:
﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 173].
وبناءً عليه، فإن المصافحة بدعوى الحرج لا تجوز، بل على المسلم أن يعتذر بلطف أو يستبدل المصافحة بتحية شرعية كالسلام اللفظي أو الإيماء بالرأس، حفاظاً على دينه واتباعاً لهدي النبي ﷺ الذي قال: "إني لا أصافح النساء" (رواه مالك وأحمد).
الخلاصة: لا يجوز للمسلم أن يترك حكم الله لأجل العادات أو الخوف من انتقاد الآخرين، بل الواجب تقديم رضا الله على رضا الناس، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
-
حكم مصافحة المرأة الأجنبية للضرورة
الأصل الشرعي أن مصافحة المرأة الأجنبية محرمة، لكن بعض العلماء بحثوا في مسألة وقوع الضرورة التي قد تبيح المحظور، تطبيقًا لقاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات". غير أن مفهوم الضرورة في الفقه الإسلامي ليس مطلقًا، بل هو مقيد بقيود دقيقة، حتى لا يتوسع فيه الناس بغير حق.
فالضرورة هي: بلوغ المسلم حالة من المشقة أو الحرج البالغ الذي قد يؤدي إلى هلاك النفس، أو إتلاف عضو، أو وقوع ضرر شديد لا يحتمل عادة. وهذا يختلف عن مجرد الحرج الاجتماعي أو الخجل من رفض المصافحة، فذلك لا يعد ضرورة.
ومن أمثلة الضرورة التي ذكرها الفقهاء:
- حالة التداوي التي تستلزم اللمس عند عدم وجود بديل.
- إنقاذ حياة إنسان عند التعرض لخطر عاجل.
أما في مجال المصافحة، فلا يُتصور تحقق الضرورة غالبًا، لأن ترك المصافحة لا يترتب عليه هلاك ولا مشقة غير محتملة، بل يمكن استبدالها بوسائل أخرى للتحية، مثل السلام اللفظي أو الإشارة باليد. ولهذا فإن الراجح هو المنع مطلقًا إلا في حال تحقق الضرورة الشرعية بالمعنى الفقهي الدقيق، وهي حالات نادرة جدًا.
الخلاصة: لا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية لمجرد المجاملة أو تفادي الحرج، وإنما يقتصر الترخيص – إن وجد – على حالة الضرورة الحقيقية التي لا بديل عنها، والضرورة تقدر بقدرها.
- حالة التداوي التي تستلزم اللمس عند عدم وجود بديل.
-
حكم مصافحة العجوز الكبيرة والشيخ الكبير بالسن
- أجاز الحنفية والحنابلة مصافحتها عند أمن الفتنة.
- منع المالكية والشافعية ذلك مطلقاً.
- والأحوط ترك المصافحة مطلقاً، سداً للذريعة وعملاً بقول جمهور العلماء.
- أجاز الحنفية والحنابلة مصافحتها عند أمن الفتنة.
-
البدائل الشرعية للمصافحة
- الاكتفاء بالسلام اللفظي: "السلام عليكم".
- الإشارة باليد أو بالرأس للتحية.
- الدعاء بالبركة: "جزاك الله خيراً" أو "بارك الله فيك".
- الاكتفاء بالسلام اللفظي: "السلام عليكم".
-
الخاتمة
يتضح مما سبق أن:
- مصافحة المرأة الأجنبية الشابة محرمة بإجماع الفقهاء.
- لا يُعرف عن أحد من العلماء المعتبرين أنه أجازها.
- اختلف العلماء في حكم مصافحة العجوز، لكن القول بالمنع مطلقاً هو الأرجح والأحوط.
- الواجب على المسلم أن يلتزم بما ورد عن النبي ﷺ، وأن يستغني عن المصافحة بالتحيات المشروعة التي تحقق المقصود دون مخالفة شرعية.
- مصافحة المرأة الأجنبية الشابة محرمة بإجماع الفقهاء.