دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (الوهابية): حقيقة الدعوة وأثرها في إحياء التوحيد ومحاربة البدع
تعرف على حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي سماها خصومها الوهابية، وكيف قامت على توحيد الله ومحاربة الشرك والبدع، وأحيت السنة في الجزيرة العربية، مع بيان ثناء العلماء عليها كالشوكاني والصنعاني وابن باز، وشرح أثرها في تجديد الدين وبناء الدولة السعودية على منهج التوحيد الصافي.
 
                                    - 
                                مقدمةفي منتصف القرن الثاني عشر الهجري، بزغ نور من أرض نجد، حمل راية الإصلاح والتوحيد في زمن غلبت فيه البدع والخرافات، وانطمست فيه معالم السنّة. ذلك النور هو دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، التي وصفها العلماء بأنها حركة تجديدية سلفية هدفت إلى إحياء الإسلام الصحيح كما جاء في الكتاب والسنة، لا مذهبًا خامسًا كما يزعم بعض المغرضين، بل امتدادًا لمنهج السلف الصالح وأئمة المذاهب الأربعة. 
 وقد نالت هذه الدعوة لقب "الوهابية" من خصومها، بينما لم يطلق الشيخ على نفسه هذا الاسم قط، كما لم يدّعِ تأسيس مذهب جديد، وإنما دعا إلى تجديد ما اندرس من معالم الدين وتصفية العقيدة من شوائب الشرك والبدع.
- 
                                نشأة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وملامح دعوتهولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي الحنبلي سنة (1115هـ) في بلدة العيينة بنجد، في بيت علم وصلاح. حفظ القرآن قبل بلوغه العاشرة، وتتلمذ على أبيه في الفقه الحنبلي، ثم ارتحل في طلب العلم إلى مكة والمدينة والبصرة والأحساء وغيرها، فجمع بين علم الرواية والدراية، وكان واسع الاطلاع على كتب السلف في العقيدة والتوحيد. وعندما عاد إلى نجد وجد البلاد غارقة في عبادة القبور والأشجار والأحجار، وانتشار السحر والكهانة والتبرك بالأموات، فأنكر ذلك كله ودعا إلى تجريد التوحيد لله تعالى كما قال سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36]. فكانت دعوته تقوم على أصلين عظيمين: 1. تحقيق التوحيد الخالص الذي دعت إليه جميع الرسل. 2. التحذير من الشرك والبدع ومظاهر الغلو في الصالحين. 
- 
                                الأسس العقدية لدعوتهاعتمد الشيخ محمد بن عبد الوهاب على منهج السلف الصالح في العقيدة، كما قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العقيدة على مذهب السلف الصالح، وفي الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، كما تدل على ذلك كتبه وفتاواه وكتب أتباعه من أبنائه وأحفاده». 
 (مجموع فتاوى ابن باز، المجلد الأول)ومن أبرز كتب الشيخ التي عُرفت عالميًا: - كتاب التوحيد: وهو أشهر مصنفاته، بيّن فيه أنواع التوحيد، وما يناقضه من الشرك والبدع.
- كشف الشبهات: ردّ فيه على المضللين الذين لبّسوا على الناس مفاهيم التوحيد.
- الأصول الثلاثة: تناول فيه معرفة العبد لربه ودينه ونبيه ﷺ.
 كانت هذه الكتب مرجعًا لكل من أراد فهم العقيدة الصافية بعيدًا عن الغلو أو التفريط. 
- كتاب التوحيد: وهو أشهر مصنفاته، بيّن فيه أنواع التوحيد، وما يناقضه من الشرك والبدع.
- 
                                مقاصد الدعوة الإصلاحيةلم تكن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوة فكرية نظرية فحسب، بل كانت دعوة إصلاح شامل للمجتمع على أسس الكتاب والسنة، ومن مقاصدها: 1. إحياء معاني التوحيد والإخلاص، وردّ الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له. 2. محاربة البدع والخرافات المنتشرة في العصور المتأخرة. 3. نشر العلم الشرعي وتيسير الوصول إلى نصوص الوحيين. 4. إقامة شعائر الإسلام التي كانت مهجورة في بعض البلاد. 5. تصحيح المفاهيم الدينية وتحرير العقول من التبعية العمياء. قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]. وقد وفق الله الشيخ إلى التحالف مع الإمام محمد بن سعود أمير الدرعية، فتوحدت الجهود على نشر الإسلام الصحيح، وكانت نواة الدولة السعودية الأولى التي قامت على أساس التوحيد، فانتشرت دعوة الإصلاح في أرجاء الجزيرة العربية. 
- 
                                آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهابكان لهذه الدعوة المباركة آثار عظيمة في العالم الإسلامي، من أهمها: - إحياء السنة النبوية وإماتة البدع المنتشرة.
- تصحيح مفهوم التوحيد في نفوس الناس.
- عودة الأمن والاستقرار إلى بلاد الجزيرة العربية بعد أن عمّها الجهل والفرقة.
- انتشار التعليم الشرعي وازدهار حلقات العلم في نجد.
- ظهور علماء مجددين ساروا على نهج الشيخ كالإمام عبد الرحمن بن حسن، وعبد اللطيف بن عبد الرحمن، والعلامة ابن باز، وابن عثيمين، وغيرهم.
 
- إحياء السنة النبوية وإماتة البدع المنتشرة.
- 
                                سبب محاربة الدعوة وشبهات خصومهاتعرضت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لحملات عدائية شرسة، من داخل الجزيرة وخارجها، لأسباب متعددة، منها: 1. أنها اصطدمت بمصالح أهل البدع والقبور الذين كانوا يستفيدون من استغلال العامة باسم الدين. 2. أنها كشفت ضلال بعض الطرق الصوفية الغالية التي جعلت التوسل والوساطة شركًا عمليًا. 3. أنها واجهت النفوذ السياسي والإقطاعي في بعض المناطق التي استغلت الجهل الديني لتثبيت سلطتها. قال الله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، 
 {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52].وهكذا كل دعوة حق تُحارَب، كما قال ورقة بن نوفل للنبي ﷺ: «لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عُودي» (رواه البخاري). لكن هذه الدعوة ثبتت، وانتشرت، وتحوّلت إلى منهج إصلاحي عالمي امتد تأثيره إلى الهند واليمن والمغرب ومصر وغيرها، حيث وجد العلماء المنصفون فيها امتدادًا لرسالة الأنبياء في الدعوة إلى التوحيد. 
- 
                                ثناء العلماء على الشيخ ودعوتهأثنى على الشيخ كبار العلماء من أنحاء العالم الإسلامي، ومن ذلك: - قال الإمام الشوكاني في البدر الطالع: 
 "رسائل محمد بن عبد الوهاب كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد والتنفير من الشرك، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة." - وقال الإمام الصنعاني في قصيدته المشهورة: 
 "محمد الهادي لسنة أحمدٍ … فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي." - وقال الشيخ محمد رشيد رضا: 
 "كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجددًا للإسلام في بلاد نجد، بإرجاع أهله عن الشرك إلى التوحيد والسنة." - وقال الشيخ محمد بهجة البيطار: 
 "ليس للوهابية مذهب خاص، ولكنه كان مجددًا لدعوة الإسلام، متبعًا لمذهب الإمام أحمد بن حنبل." فهذه الشهادات من علماء منصفين تؤكد أن دعوته لم تكن خروجًا عن أهل السنة، بل عودة إلى صفائهم الأول. 
- قال الإمام الشوكاني في البدر الطالع: 
- 
                                علاقة الدعوة بالمذاهب الأربعةتجدر الإشارة إلى أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليست مذهبًا خامسًا، بل هي دعوة إصلاحية تتبع منهج السلف في العقيدة، ومذهب الإمام أحمد بن حنبل في الفروع الفقهية. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "ليست الوهابية مذهبًا خامسًا كما يزعمه الجاهلون، وإنما هي دعوة إلى العقيدة السلفية وتجديد لما درس من معالم الإسلام والتوحيد في الجزيرة العربية." 
 (مجموع فتاوى ابن باز)وقد سار أتباع الشيخ على هذا النهج، فلم يخالفوا المذاهب الأربعة في أصولها، بل اجتهدوا في إحياء روح الاجتهاد والعودة إلى النصوص الصحيحة. 
- 
                                استمرار الدعوة وأثرها في العصر الحديثما زالت آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حاضرة إلى يومنا هذا في المملكة العربية السعودية وغيرها من بلاد المسلمين، من خلال: - ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال في فهم التوحيد.
- نشر التعليم الشرعي عبر الجامعات والمعاهد.
- حماية العقيدة من الانحرافات الفكرية والبدعية.
- تربية الأجيال على إخلاص العبادة لله تعالى وحده.
 وقد حمل الراية بعده علماء ربانيون، في مقدمتهم الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، الذي كان من أبرز المدافعين عن منهج السلف ودعوة الشيخ المجدد، وقال فيه العلماء: إنه وارث مدرسة الإصلاح والتوحيد التي أسسها محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. 
- ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال في فهم التوحيد.
- 
                                الخاتمةإن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليست حركة سياسية أو فكرية ضيقة، بل منهج إصلاحي رباني استمد نوره من القرآن والسنة، فجدّد معالم التوحيد، ونبّه الأمة إلى خطر الشرك والبدعة، وأعاد للأمة وعيها الديني وهويتها العقدية. 
 ولذلك فإن محاربتها لم تكن إلا امتدادًا لمحاربة كل دعوة صادقة إلى الله، كما حورب الأنبياء من قبلهم.قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف:13]. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
                                                                                                                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                             
                                            