مد العوض في علم التجويد
مقال شامل ومفصل عن مد العوض في علم التجويد، يتناول تعريفه وأحكامه ومواضعه في القرآن الكريم، مع بيان الفرق بينه وبين المدود الأخرى كمد البدل، وذكر الاستثناءات، وأمثلة توضيحية من المصحف الشريف، بأسلوب علمي مبسط يناسب الباحثين والطلاب والمهتمين بتعلم التجويد وتدبر القرآن الكريم.

-
مقدمة
علم التجويد هو من أشرف العلوم الشرعية، يُعنى بكيفية أداء كلمات القرآن الكريم أداءً سليمًا كما أنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن القواعد التجويدية المهمة التي يُبنى عليها حسن الوقف والابتداء، ما يُعرف بـ"مد العوض"، وهو من المدود المرتبطة بحالة الوقف تحديدًا. وفي هذه المقالة، نتناول تعريفه، مواضعه، ضوابطه، وأمثلة عليه، مع بيان بعض المسائل الدقيقة المتعلقة به.
-
ما هو مد العوض؟
تعريف مد العوض مد العوض هو: مد في حال الوقف عوض عن فتحتي نصب في حال الوصل.
فهو:
مد يُعوض به عن تنوين النصب عند الوقف، وذلك بمد ألف مقدار حركتين، بدلًا من نطق التنوين الذي يُحذف في الوقف.أصل التسمية
سُمّي "عوضًا" لأنه تعويض عن الفتحتين (تنوين النصب) اللتين تُحذفان في الوقف، بخلاف التنوين في حالة الرفع والجر، فإن الوقف عليهما يكون بالسكون دون مد.
-
علاقة التنوين بالوقف
التنوين في اللغة هو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم لفظًا لا خطًا، وتأتي في الحالات الإعرابية الثلاث:
- في الرفع: مثل (رسولٌ)
- في الجر: مثل (من كتابٍ)
- في النصب: مثل (عليًّاً)
فإذا وقف القارئ على الكلمة المنونة:
- في الرفع أو الجر، فإنه يحذف التنوين ويقف بالسكون على الحرف الأخير (رسولْ، كتابْ)
- أما في النصب، فإنه يحذف التنوين ويُعوض عنه بألف تمد حركتين:
(عليًّاً ← عليّا)
لذلك لم يُجعل هذا المد طبيعياً لأنه لا يكون في حال الوصل، وإنما هو عارض للوقف، وألفه ليست أصلية، بل منقلبة عن التنوين.
- في الرفع: مثل (رسولٌ)
-
الفرق بين مد العوض والمد الطبيعي
- المد الطبيعي: ملازم للكلمة وصلاً ووقفًا، مثل: (قال، جاء)
- مد العوض: لا يظهر إلا عند الوقف، ولا يُنطق به في حال الوصل، لذلك يُعد من المدود العارضة.
- المد الطبيعي: ملازم للكلمة وصلاً ووقفًا، مثل: (قال، جاء)
-
مواضع مد العوض
يكون مد العوض في المواضع التالية:
1. الاسم المنوَّن تنوين نصب
إذا وقف القارئ على اسم مُنَوَّن بالفتح، فإنه يحذف التنوين، ويُعوض عنه بألف تمد حركتين:
- مثال:
- عليمًاً ← عند الوقف: عليما
- هُدىً ← عند الوقف: هُدى
2. الهمزة المتطرفة المنونة تنوين نصب سواء كتبت فتحتي النصب على ألف أم من دون ألف
وهي كلمات تنتهي بهمزة وتُنوَّن تنوين فتح، وعند الوقف يُعوض عنها بألف:
- مثل:
- دعاءً ← دعاءا
- بناءً ← بناءا
- شيئًا ← شيئا
- إنشاءً ← إنشاءا
ملاحظة: هذه الألف لا تُكتب في الرسم القرآني لأن العرب لا تجمع بين ألفين، ولا واوين، ولا ياءين في الخط، لكن النطق بها واجب وقفا.
هذه الكلمات في الأصل تحتوي على همزة مفتوحة بعدها ألف، وهي صورة من صور مد البدل، لكن مد العوض فيها أرجح، لأن الألف منقلبة عن التنوين المحذوف لا عن الهمزة، فهو مد عوض لا مد بدل، كما قرره جمهور العلماء.
3. الوقف على الأفعال والحروف المختومة بنون التوكيد الخفيفة
تُوجد ثلاث كلمات في القرآن الكريم كُتبت نونها على هيئة تنوين نصب، مع أنها ليست أسماء، بل أفعال وحروف، وهي:
- ليكوناً (يوسف: 32)
- لنسفعاً (العلق: 15)
- إذاً (التوبة: 5)
تفسير هذه الظاهرة
الفعلان "ليكوناً" و"لنسفعاً" ختم كل منهما بـ"نون التوكيد الخفيفة"، وقد ورد رسم هذه النون في المصحف على هيئة تنوين فتح.
وهذا من خصائص الرسم العثماني، إذ نُقلت عن لهجات بعض العرب ممن يُعاملون نون التوكيد الخفيفة معاملة تنوين النصب، فيقفون عليها بألف، ويُمد الصوت فيها بمقدار حركتين، ويُعتبر مد عوض.- ليكوناً ← عند الوقف: ليكونا
- لنسفعاً ← عند الوقف: لنسفعا
- إذاً ← عند الوقف: إذا
تنبيه: لا يُتعمد الوقف على هذه الكلمات الثلاث، إلا اضطرارًا أو اختبارًا.
- مثال:
-
استثناءات من مد العوض
هاء التأنيث المنونة تنوين نصب
عند الوقف على اسم مؤنث منوَّن تنوين فتح، فإن الهاء لا تُمد، بل تُعاد إلى أصلها وتُسكن:
- مثل:
- شجرةً ← شجرةْ
- جنةً ← جنةْ
لأن هاء التأنيث عند الوقف تُلفظ ساكنة، ولا تُعوض بألف.
- مثل:
-
أقوال العلماء في الترجيح
قال العلماء:
"الوقف على هذه الألف عوض عن التنوين، لا عن الهمزة، لذلك هو مد عوض لا بدل، لأنه لا يظهر إلا عند الوقف، والألف فيه عارضة منقلبة عن التنوين."
وقد نظم بعضهم هذه المسألة:
"والنون للتوكيد من يكونا
ونسفعاً قد صُوِّرت تنوينَا""أي ألفًا كما تصير وقفًا
وهكذا إذاً وأعني الحرفَا" -
الخلاصة
مد العوض هو مد خاص بحالة الوقف، يُعوض فيه القارئ عن تنوين الفتح المحذوف بألف مدية مقدارها حركتان. يأتي في الأسماء المنونة، وفي الهمزات المتطرفة المنونة، بل وحتى في بعض الأفعال المختومة بنون التوكيد الخفيفة التي رُسمت في المصحف على هيئة تنوين فتح، مراعاة للهجات العرب.
يُعد هذا المد من الظواهر اللغوية الدقيقة التي توضح عمق علم التجويد، وحكمته في المحافظة على جمال الأداء القرآني وتناسقه الصوتي.