حكم عمليات شدّ الثديين بسبب الترهل في الشريعة الإسلامية
هل يجوز للمرأة إجراء عملية شد الثديين بعد الترهل الناتج عن فقدان الوزن؟ تعرفي في هذا المقال على حكم عمليات التجميل في الإسلام، وما الفرق بين المباح منها والمحرَّم، مع أقوال كبار العلماء والضوابط الشرعية بالتفصيل.

-
مقدمة
تُعدّ جراحة التجميل من أكثر المواضيع التي تثير التساؤلات في العصر الحديث، خاصة مع التقدم الطبي الهائل الذي جعل هذه العمليات متاحة وميسورة للكثيرين. ومن أبرز هذه العمليات الجراحية: شد الثديين للنساء، لا سيّما بعد فقدان الوزن أو الحمل والولادة، وهو ما قد يسبب ترهلاً يُنقص من مظهر الثديين ويؤثر نفسيًا على المرأة. وهنا يطرح السؤال نفسه: ما حكم شد الثديين في الإسلام؟ وهل يُعدّ من باب التجميل المحرّم أم يدخل تحت باب إزالة العيب والتشوه؟ هذا ما سنناقشه بتفصيل فقهي وشرعي مدعوم بالأدلة.
-
تعريف عمليات شدّ الثديين
عمليات شد الثديين (Breast Lift) هي جراحة تجميلية تهدف إلى رفع وشدّ الثديين من خلال إزالة الجلد الزائد وشد الأنسجة المحيطة لاستعادة الشكل الطبيعي للثديين بعد فقدان الوزن أو الحمل أو التقدم في السن. وقد تُجرى هذه العملية منفردة أو مصحوبة بتكبير أو تصغير للثدي.
-
الضابط الشرعي في حكم عمليات التجميل
حددت الشريعة الإسلامية ضابطًا دقيقًا في الحكم على جراحات التجميل، وذلك بتمييزها بين نوعين:
1. العمليات الجراحية التجميلية المباحة: وهي التي يكون الغرض منها إزالة عيبٍ ظاهر أو تشوّه خلقي أو مكتسب يؤثر على نفسية الإنسان أو يعرضه للسخرية أو الحرج، كإزالة الأصبع الزائدة أو ترميم الأنف الأعوج أو إزالة آثار الحروق أو التشوهات، وغير ذلك.
2. العمليات التجميلية المحرمة: وهي التي تُجرى لمجرد طلب الحسن أو زيادة الجمال بدون وجود عيب حقيقي، وتدخل في تغيير خلق الله، وقد ورد النهي عنها في قوله صلى الله عليه وسلم:
"لعن الله المتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله". (متفق عليه)
-
الترهل بعد فقدان الوزن أو الولادة: هل يعدّ عيبًا؟
عندما تفقد المرأة وزنًا كبيرًا أو بعد الولادات المتكررة، قد يحدث ترهّل في الثديين يُغيّر مظهرهما الطبيعي، ويؤدي إلى تدلّي غير معتاد يُشبه مظهر الثدي عند النساء المرضعات بشكل مفرط، حتى وإن لم يكن هناك رضاعة. وقد يصاحبه شعور بالنقص، أو القلق من نظرة الزوج، أو تأثير نفسي سلبي مستمر.
وهنا يكون الحكم مختلفًا عن الجراحة التي تُجرى لمجرد التجميل. لأن هذه الحالة تُعدّ من باب إزالة الضرر أو العيب المكتسب، وهو ما أجازته الشريعة، كما ورد في فتاوى أهل العلم.
-
أقوال العلماء والفتاوى المعاصرة
1. اللجنة الدائمة للإفتاء:
سُئلت اللجنة عن امرأة ترغب في إجراء عملية تجميل لأنفها لأنه كبير ويسبب لها ضررًا نفسيًا، فأجابت:
"إذا رُجي نجاح العملية ولم ينشأ عنها مضرة راجحة أو مساوية، جاز إجراؤها تحقيقًا للمصلحة."
(فتاوى اللجنة الدائمة 25/59-60)2. الشيخ ابن باز رحمه الله:
قال رحمه الله:
"لا حرج في علاج الأدواء بالأدوية المباحة أو العمليات الجراحية إذا غلب على الظن نجاحها، وكان فيها إزالة للضرر أو العيب".
(مجموع فتاوى ابن باز 9/419)3. الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
قال في عمليات شدّ الثديين:
"إذا كان لإزالة عيب فلا بأس، ما لم يكن فيه ضرر، فقد اتخذ عرفجة أنفًا من ذهب لما قُطع أنفه".
(ثمرات التدوين ص 133) -
ضوابط شرعية لا بد من مراعاتها
إذا تبين جواز إجراء عملية شدّ الثديين في حال وجود عيب ظاهر، فإنّ هناك عدة ضوابط شرعية يجب الالتزام بها:
1. نية إزالة الضرر لا تحسين الخلقة
العملية يجب أن تكون لغرض إزالة عيب ظاهر يشوه الخِلقة، لا مجرد زيادة الجمال أو مسايرة المعايير الشكلية.
2. أن لا تترتب على العملية مضار صحية
ينبغي أن تكون العملية آمنة طبياً، ويُفضل أن يجريها طبيب مختص بعد التأكد من نتائجها وآثارها.
3. أن تُجريها طبيبة إن أمكن
من الأفضل شرعًا أن تجري العملية طبيبة مختصة. فإن لم تتوفر طبيبة، جاز للطبيب إجراءها بشرط عدم الخلوة، وألا يرى من الجسد إلا ما تدعو إليه الحاجة فقط.
4. عدم المبالغة أو التغيير غير الطبيعي
أي تغييرات مبالغ فيها أو مخالفة لطبيعة الجسد ومقاييسه تكون محرّمة، لأنها تدخل في تغيير خلق الله بلا داعٍ شرعي.
-
الفرق بين طلب الجمال وبين إزالة الضرر
من المهم التنبه إلى الفرق بين:
- طلب الحسن المطلق: مرفوض شرعًا إذا لم يكن هناك عيب حقيقي.
- إزالة عيب مؤثر نفسيًا أو وظيفيًا: جائز شرعًا إذا تحققت فيه الشروط.
فالإسلام لا يمنع الإنسان من التداوي أو إزالة التشوه، بل يحث على حفظ النفس وصيانتها، ولكن يرفض التغيير المجرد من المبرر الشرعي.
- طلب الحسن المطلق: مرفوض شرعًا إذا لم يكن هناك عيب حقيقي.
-
خاتمة
إن حكم عمليات شدّ الثديين بسبب الترهل الناتج عن نقصان الوزن أو الحمل والولادة يتوقف على نية المرأة والغاية من العملية، فإن كانت إزالة عيب أو تشوه ظاهر يُسبب لها أذى نفسيًا أو جسديًا، فلا حرج في ذلك شرعًا، بشرط توفر الضوابط الشرعية والطبية التي تحفظ جسد المرأة وكرامتها ولا تتجاوز حدود الشريعة.
وقد أفتى بذلك كبار العلماء المعاصرين، مع التأكيد على أن هذا النوع من الجراحات لا يدخل في باب التغيير المحرم لخلق الله، بل يدخل في باب العلاج والتداوي المباح، إذا لم يكن فيه ضرر أو كشف للعورة بغير ضرورة.