حكم ضرب الزوجة في الإسلام: رؤية فقهية واجتماعية شاملة
تعرف على الحكم الشرعي لضرب الزوجة في الإسلام من منظور فقهي ومقاصدي، مع بيان الشروط والضوابط الواردة في القرآن والسنة، وتحليل اجتماعي وقانوني مفصل لحالات العنف الأسري، وحقوق المرأة في الإسلام، ومتى يكون للزوج حق الضرب، ومتى يحرم عليه ذلك.
جدول المحتويات
- مقدمة
- الضرب في القرآن الكريم
- ضوابط الضرب المشروع
- تفسير غير مبرح عند السلف
- السياق التاريخي والاجتماعي للآية
- حكم الضرب عند الفقهاء : هل هو واجب أم مباح؟
- الضرب المبرح محرم شرعًا
- عقوبة من يضرب زوجته ظلمًا
- هل يحق للمرأة طلب الطلاق إذا ضُربت؟
- مقاصد الشريعة في التعامل الزوجي
- البدائل الشرعية للضرب
- كلمة إلى الأزواج
- خاتمة
-
مقدمة
من القضايا الشائكة التي تثار بين الفينة والأخرى في السياقين الاجتماعي والفقهي قضية "ضرب الزوجة"، وهي مسألة لطالما نُظر إليها بعيون متباينة بين من يتخذ منها ذريعة للتبرير، ومن يرفضها جملة وتفصيلًا. والحقيقة أن الموضوع يتطلب تحليلًا متوازنًا يعتمد على النصوص الشرعية الصحيحة، ويفهمها في إطارها التشريعي الكامل، دون اقتطاع أو انتزاع من السياق الزماني والثقافي الذي نزلت فيه، وفي ضوء المقاصد العليا للشريعة الإسلامية التي تقوم على العدل والرحمة والكرامة الإنسانية.
-
الضرب في القرآن الكريم
قال الله تعالى في سورة النساء:
﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: 34]هذه الآية هي أصل ما يُستدل به على مشروعية ضرب الزوجة، ولكن الفهم السليم للنص يوجب النظر إلى ترتيب المراحل:
1. الوعظ: أول خطوة لإصلاح العلاقة.
2. الهجر في المضجع: وسيلة رمزية للتنبيه إلى خطورة الموقف.
3. الضرب: آخر وسيلة، ومقيدة بقيود شديدة، كما سنوضح.
فليس الضرب هو الخيار الأول، بل هو مرحلة متأخرة بعد استنفاد وسائل الإصلاح غير العنيفة. وتقييده بشروط تجعل منه أقرب للتنبيه لا إلى الإيذاء.
-
ضوابط الضرب المشروع
قال النبي ﷺ في الحديث الذي رواه مسلم:
«فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله».وجاء في سنن أبي داود من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
«ولا تضرب الوجه، ولا تُقَبِّح، ولا تهجر إلا في البيت».وبناءً على السنة النبوية وأقوال الصحابة والتابعين، فإن الضرب المشروع:
- غير مبرح: لا يكسر عظما، ولا يشوه خلقة.
- غير مؤذٍ نفسيًا: لا يتضمن شتمًا أو إذلالًا.
- لا يكون على الوجه: ولا على الأماكن الحساسة.
- بأداة خفيفة: كالسواك أو المنديل، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما.
- يقصد به الإصلاح: لا التنفيس عن الغضب أو الانتقام.
- غير مبرح: لا يكسر عظما، ولا يشوه خلقة.
-
تفسير غير مبرح عند السلف
- قال عطاء: سألت ابن عباس عن الضرب غير المبرح، فقال: "بالسواك ونحوه".
- وقال القرطبي: المقصود به الإصلاح لا الإيذاء.
- قال عطاء: سألت ابن عباس عن الضرب غير المبرح، فقال: "بالسواك ونحوه".
-
السياق التاريخي والاجتماعي للآية
من المهم جدًا ألا نقرأ الآية بمعزل عن الواقع الاجتماعي الذي نزلت فيه، فقد كان ضرب المرأة قبل الإسلام أمرًا شائعًا لا ضوابط له. فجاء الإسلام ليقيد هذا العنف ويجعل له ضوابط وأحكامًا، تميل إلى إصلاح المرأة لا إلى كسرها.
يقول بعض المفكرين: لو أن الإسلام جاء ليحرم الضرب جملة، لكان ذلك مستحيل التطبيق في مجتمع جاهلي يراه من الحقوق. فشرع الضرب بشروط تضيق حتى تصير أقرب للردع الرمزي، وهو ما يشي أن المقصد الحقيقي هو الحدّ من الاعتداء لا تشريعه.
-
حكم الضرب عند الفقهاء : هل هو واجب أم مباح؟
اتفق العلماء على أن الضرب الوارد في الآية:
- ليس واجبًا: بل هو رخصة مشروطة.
- يُترك إن لم يؤد إلى الإصلاح: قال ابن العربي: "إن تركه فهو أفضل".
- مقيد بالمآل: فإن كان يؤدي إلى فساد أو عناد أكبر، حُرم.
بل ذهب بعض المعاصرين إلى أن الأصل في الحياة الزوجية هو المعروف، والضرب يناقض روح المودة والسكن التي جعلها الله أصلًا للعلاقة بين الزوجين.
قال تعالى:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21] - ليس واجبًا: بل هو رخصة مشروطة.
-
الضرب المبرح محرم شرعًا
ما تقوم به بعض الأزواج من ضرب الزوجة ضربًا مبرحًا يترك آثارًا على الوجه أو الجسد، أو يتسبب في كسر أو تشويه، لا يجوز شرعًا، بل هو ظلم وعدوان.
قال النبي ﷺ:
«لا تضرب الوجه، ولا تقبّح». [أبو داود]
وقال ﷺ:
«اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة». [النسائي]ومن اعتدى على زوجته بالضرب دون موجب شرعي، فقد ارتكب إثمًا كبيرًا، وعليه التوبة، والاعتذار، والتحلل منها، كما ورد في فتاوى العلماء.
-
عقوبة من يضرب زوجته ظلمًا
- شرعيًا: يُعد ظالمًا، ويجب عليه التوبة النصوح.
- اجتماعيًا: تسقط مكانته في أعين الناس، وتضطرب الحياة الأسرية.
- قانونيًا: في بعض الدول الإسلامية، يُعتبر الضرب جريمة يعاقب عليها القانون المدني.
- شرعيًا: يُعد ظالمًا، ويجب عليه التوبة النصوح.
-
هل يحق للمرأة طلب الطلاق إذا ضُربت؟
نعم، إذا تعرضت الزوجة للضرب المبرح أو المتكرر دون سبب معتبر شرعًا، فلها حق طلب الطلاق. قال أهل العلم إن من أهم أسباب فسخ النكاح الضرر الجسدي أو النفسي، وأيدت ذلك الفتوى رقم (116133) في موقع الإسلام سؤال وجواب.
-
مقاصد الشريعة في التعامل الزوجي
الشريعة الإسلامية جعلت العلاقة بين الزوجين مبنية على أسس:
- الرحمة
- المودة
- العدل
- التفاهم
فالضرب وسيلة اضطرارية ضيقة، ليست قاعدة عامة، بل تُترك متى وجد غيرها أنفع وأصلح.
- الرحمة
-
البدائل الشرعية للضرب
- الحوار الهادئ: طريق لفهم النفس والمشكلات.
- الاستشارة الأسرية: الاستعانة بأهل الحكمة من أهل الزوجين.
- الصلح والتقريب: الاستفادة من أهل الإصلاح.
- الدعاء واللجوء إلى الله: فهو مقلب القلوب ومفرّج الكروب.
قال الإمام الشافعي:
"من وعظ أخاه سرًا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه". - الحوار الهادئ: طريق لفهم النفس والمشكلات.
-
كلمة إلى الأزواج
تذكّر أن زوجتك أمانة في عنقك، وأنها ليست ملكًا لك تفعل بها ما تشاء، بل شريكة عمر وأم أولادك. فإن غضبت، فاضبط نفسك، وتذكر قول النبي ﷺ:
«ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب». [متفق عليه]وإذا أخطأت، فتعلّم كيف تعاتب بلطف، وكيف تصلح من غير إيذاء. فإن العلاقة الزوجية لا تبنى على القهر بل على الاحترام.
رسالة إلى الزوجة
وإن كنتِ زوجة تعانين من ضربٍ وظلم، فاعلمي أن الإسلام لا يقركِ على ذلك، ولكِ أن تطلبي حقك، وتدافعي عن كرامتك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعند الحاجة باللجوء إلى القضاء الشرعي، ولا تتهاوني بحق نفسك.
-
خاتمة
الخاتمة
إن الإسلام لم يأت ليشرّع العنف، بل جاء ليقنّنه في أضيق الحدود، ويهذّبه، ويستبدله في الغالب بالأرحم والأفضل. والضرب الذي ورد في القرآن لا يُفهم على أنه رخصة مفتوحة للإيذاء، بل هو علاج في حالات نادرة، وبشروط صارمة، وغايته الإصلاح لا الإذلال.
وفي زمن تطورت فيه وسائل التربية والتقويم، بات على المسلمين أن يفهموا مقاصد الشريعة قبل أن يطبقوا حروفها، وألا يغفلوا عن فقه الواقع عند التعامل مع النصوص.