حكم طلاق الحائض في الشريعة الإسلامية: التفصيل الكامل مع الأدلة والآراء الفقهية
من المسائل التي يكثر السؤال عنها: حكم طلاق الحائض، وهل يقع الطلاق إن أوقعه الزوج على زوجته في فترة الحيض؟ هذه المسألة من النوازل التي تتعلق بحياة كثير من الأزواج، ويترتب عليها أحكام أسرية مهمة، لذا سنعرض في هذا المقال حكم الطلاق في الحيض، مع بيان آراء الفقهاء، والأدلة الشرعية، والموقف الراجح، بالإضافة إلى ذكر أمثلة واقعية لزيادة الفهم والإيضاح.

-
ما هو حكم طلاق الحائض؟
اتفق جمهور العلماء على حرمة طلاق المرأة وهي حائض، واستندوا في ذلك إلى الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم:
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: طلقت امرأتي وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فغضب النبي وقال: "مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس."وهذا الحديث يدل على أن طلاق الحائض محرم وبدعي، أي مخالف للشرع، ويأثم من يفعله. وغضب النبي صلى الله عليه وسلم دليل قاطع على أن الفعل محرم وغير جائز شرعًا.
لماذا يُنهى عن طلاق الحائض؟
- لأن الحائض في حال ضعف نفسي وبدني، وقد تكون في حال توتر، فلا يكون الطلاق في هذه الحال متزنًا.
- لأن الطلاق في الحيض يطيل العدة على المرأة، إذ لا تُحسب الحيضة الأولى، فتزيد عليها فترة العدة ظلمًا.
- لأن الحائض في حال ضعف نفسي وبدني، وقد تكون في حال توتر، فلا يكون الطلاق في هذه الحال متزنًا.
-
هل يقع طلاق الحائض؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين رئيسيين:
القول الأول: الطلاق يقع مع الإثم (وهو قول الجمهور)
وهو مذهب الأئمة الأربعة وأكثر العلماء، بأن الطلاق في الحيض يقع ويأثم الزوج بذلك، ويجب عليه التوبة.
أدلتهم:- قول ابن عمر رضي الله عنه: "فراجعتها، وحسبت علي تطليقة"، والظاهر أن النبي هو من حسبها.
- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمراجعة دليل على وقوع الطلاق، لأنه لا تكون المراجعة إلا بعد طلاق.
- قاعدة: "الراوي أعلم بما روى"، وابن عمر قال صراحة: "يُحسب الطلاق."
القول الثاني: الطلاق لا يقع (قول بعض الحنابلة، ورجحه ابن تيمية وابن القيم)
قالوا: إن الطلاق في الحيض لا يقع لأنه طلاق بدعي محرم شرعًا، واستدلوا بما يلي:
- حديث عائشة: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد."
أي أن الطلاق إذا لم يكن على أمر الشريعة فهو مردود. - في بعض روايات حديث ابن عمر: "فلم يرها شيئًا." أي لم يُحسب هذا الطلاق.
الراجح: قول الجمهور
والراجح ما ذهب إليه جمهور العلماء: أن الطلاق في الحيض يقع ويأثم فاعله، ويجب عليه التوبة، لأن حديث ابن عمر واضح وصريح في وقوع الطلاق.
- قول ابن عمر رضي الله عنه: "فراجعتها، وحسبت علي تطليقة"، والظاهر أن النبي هو من حسبها.
-
هل يجب على الزوج مراجعة زوجته إذا طلقها وهي حائض؟
في هذه المسألة قولان أيضًا:
- الجمهور: يَرَون أن المراجعة مستحبة وليست واجبة.
- الراجح (قول ابن تيمية وابن القيم): أن المراجعة واجبة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "مره فليراجعها."
والأمر في الحديث يفيد الوجوب، ولا صارف له عن ذلك، وامتثال ابن عمر للأمر يؤكد ذلك.
- الجمهور: يَرَون أن المراجعة مستحبة وليست واجبة.
-
أمثلة واقعية لتوضيح المسألة
1. رجل طلق زوجته أثناء خصومة وهي حائض، فلما علم بحرمة الطلاق في الحيض، عاد لمراجعتها بعد فتاوى أهل العلم، وتاب إلى الله، واعتبرها طلقة واحدة حسب الراجح.
2. امرأة رفعت قضية طلاق بسبب طردها من بيت الزوجية أثناء الحيض، فاحتج الزوج أن الطلاق لم يقع، وحكم القاضي بناء على فتوى دار الإفتاء أن الطلقة واقعة، واعتبرت طلقة رجعية.
-
الخاتمة
مسألة طلاق الحائض من المسائل الدقيقة التي يجب على المسلمين التفقه فيها، لأنها تمس الأسرة واستقرارها. وقد دلّت السنة النبوية على تحريم الطلاق في الحيض، مع وقوعه عند جمهور العلماء، ووجوب التوبة من ذلك، ومراجعة الزوجة عند الإمكان.
ينبغي للأزواج أن يتأنّوا وألا يتسرعوا في الطلاق، وأن يسألوا أهل العلم قبل الإقدام على أي خطوة تمس الحياة الزوجية. فالإسلام دين رحمة وعدل، وقد وضع ضوابط دقيقة للطلاق لحفظ الأسرة وصيانتها.