"كُفْرَانُ العَشِيرِ" في المِيزَانِ الشَّرْعِيِّ: مَعْنًى، أَدِلَّةٌ، وَتَوْجِيهَاتٌ.

في سياق الحديث عن العلاقات الزوجية في الإسلام، وردت نصوص تُحذِّر من سلوكيات تُفسد هذه العلاقة وتُدخل صاحبها في دائرة الإثم. ومن أبرز هذه التحذيرات ما رواه النبي ﷺ عن النساء بأنهن "أكثر أهل النار" بسبب "كفران العشير". فما معنى هذا المصطلح؟ وما الأدلة الشرعية التي تؤكده؟ وكيف يُمكن تفادي الوقوع في هذا الذنب؟

"كُفْرَانُ العَشِيرِ" في المِيزَانِ الشَّرْعِيِّ: مَعْنًى، أَدِلَّةٌ، وَتَوْجِيهَاتٌ.
كفران العشير
  • أولاً: معنى "يكفرن العشير" لغة وشرعًا

    - لغةً: الكفر هنا بمعنى الجحود ونكران الجميل، والعشير هو الزوج. 

    - شرعًا: يُقصد به إنكار المرأة إحسان زوجها وفضله عليها، ونسيان كل ما قدَّمه من معروف بسبب موقفٍ عارض.

    وقد وصف النبي ﷺ هذا السلوك بقوله: «لو أَحسنتَ إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط» (متفق عليه). 

  • ثانياً: الأدلة من السنة النبوية

    1. حديث ابن عباس رضي الله عنهما: 

       قال النبي ﷺ: «أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ»، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ» (رواه البخاري). 

       - التفسير: "يكفرن العشير" أي ينكرن معروف الأزواج، و"يكفرن الإحسان" أي يجحدن الجميل. 

    2. تفسير العلماء: 

       - ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري": ذَكَرَ أن الكفران هنا ليس الكفر بالله، بل جحود حق الزوج واستصغار إحسانه. 

       - المناوي في "فيض القدير": أوضح أن النساء أكثر وقوعًا في هذا الذنب لضعف عقولهن وقلة صبرهن. 

  • ثالثاً: لماذا خُصّت النساء بهذا الذنب؟

    أجمع العلماء أن الحديث لا يعني انحصار الذنب في النساء، لكنه يُشير إلى أنهن أكثر وقوعًا فيه لطبيعة تكوينهن العاطفي، وضعف الصبر على الشدائد، كما جاء في تفسير قوله ﷺ: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» (أخرجه أبو داود).

     ومع ذلك، يُمكن أن يقع الرجل في كفران عشيرته، لكنه أقلّ انتشارًا. 

  • رابعاً: آثار كفران العشير وعقوبته

    1. من أسباب دخول النار: كما بيَّن الحديث أن هذا السلوك من أسباب كثرة النساء في النار. 

    2. كبيرة من كبائر الذنوب: عدّه بعض العلماء (كالكرماني) من الكبائر لارتباطه بجحود الحقوق وتفكيك الروابط الأسرية. 

    3. الفساد الاجتماعي: يؤدي إلى نشر السخط بين الأزواج، وتمزيق أواصر المودة. 

  • خامساً: توجيهات لتفادي كفران العشير

    . شكر النعمة: قال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم:7). 

    2. التذكير بفضل الإحسان: أوصى النبي ﷺ الرجال والنساء بحسن العشرة، فقال: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ» (رواه الترمذي). 

    3. الصبر على الزلات: كما جاء في الحديث: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (رواه مسلم).

  • سادساً: أسئلة شائعة حول "كفران العشير"

    1. هل الذنب يقع على المرأة فقط؟

       - لا، لكن النساء أكثر عرضة له لطبيعتهن، وقد يقع الرجل فيه إن جحد إحسان زوجته. 

    2. إذا قال الزوج لزوجته: "ما رأيت منك خيرًا" فهل يُعتبر من الكفران؟

       - نعم، إذا نَسِيَ إحسانها بسبب لحظة غضب، لكن يُنصح بالتوبة ومراجعة النفس. 

    3. كيف تُصلح المرأة من هذا السلوك؟

       - بالاستغفار، والتذكير بفضل الزوج، وتدريب النفس على شكر الجميل. 

  • سابعاً: أمثلة واقعية لكفران العشير من النساء للرجال

    أولاً: من النساء للرجال

    1. زوجة تشتكي زوجها أمام الناس رغم إحسانه: زوج كان ينفق على بيته بسخاء، ويعامل زوجته بلين، وحين ضاق به الحال مرة، بدأت تذمه أمام أهلها وصديقاتها، وتقول: "ما شفت منه خير يومًا".

    2. تجحد العشرة بعد الطلاق: امرأة عاشت مع زوجها سنوات بخير وسعة، فلما حدث طلاق، أنكرت كل جميل وقالت: "ما شفت يوم حلو معه"، رغم أنه كان حسن المعاملة معها.

    3. زوجة تستخف بتعب زوجها في العمل: رجل يعمل في وظيفتين لينفق على أولاده، لكنها لا تشكره يومًا بل تشتكي دائمًا من قلة الوقت الذي يقضيه في البيت، وتقول: "وش استفدنا؟

  • ثامناً: أمثلة واقعية لكفران العشير من الرجال للنساء

    1. رجل ينكر تضحيات زوجته حين كان فقيرًا: بعدما تحسنت أوضاعه، تزوج عليها، وقال لأهله: "ما صبرت معي من البداية"، رغم أنها كانت تبيع من ذهبها وتساعده في الأيام الصعبة.

    2. زوج يتحدث بسوء عن زوجته أمام الناس: مع أنه عاش معها سنين بهدوء، لكنه عند أول مشكلة يقول: "ما نفعني فيها شيء"، ويُظهرها وكأنها كانت عبئًا عليه.

    3. رجل يهين زوجته رغم تفانيها في تربية أولاده وخدمته: لا يسمع لها كلمة شكر، ولا يقدر تعبها في البيت، وإذا اشتكت من التعب، قال: "وش تسوين يعني؟ كله قعدة في البيت!"

  • الخاتمة

    التوازن في العلاقة الزوجية

    الزواج في الإسلام قائم على المودة والرحمة، وشكر الإحسان جزء من إتقان هذه العلاقة. فعلى الزوجين أن يتذكَّرا قول النبي ﷺ: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ» (رواه الترمذي)، وأن يجتهدا في حفظ حقوق بعضهما، سعيًا لرضا الله وبناء أسرة مستقرة.