هل لمس العورة ينقض الوضوء؟ رأي المذاهب الأربعة بالتفصيل

تعرف على حكم لمس العورة(الفرج) وهل ينقض الوضوء أم لا، بحسب آراء المذاهب الأربعة (الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنابلة) مع توضيح الحالات المختلف فيها وبيان الأدلة بأسلوب مبسط

هل لمس العورة ينقض الوضوء؟ رأي المذاهب الأربعة بالتفصيل
هل لمس العورة ينقض الوضوء؟
  • مقدمة

    من المسائل الفقهية التي يكثر السؤال عنها: هل مسّ الذكر(العورة) ينقض الوضوء؟
    وهي مسألة تتعلق بالطهارة، وقد ورد فيها خلاف بين العلماء من المذاهب الأربعة، بناءً على اختلافهم في فهم النصوص الشرعية المتعلقة بالموضوع.
    في هذا المقال سنعرض الآراء المشهورة لكل مذهب، ونوضح الخلاصة بطريقة مبسطة يفهمها عامة الناس دون تعقيد، مع إيراد أبرز الأدلة ومتى يجب إعادة الصلاة ومتى لا.

  • مذهب الحنفية – لا ينقض الوضوء بمس الذكر

    يرى الحنفية أن مس الذكر لا ينقض الوضوء مطلقًا، سواء كان المس مباشرًا أو من وراء حائل، وسواء كان مع اللذة أو بدونها. واستدلوا بحديث طلق بن علي رضي الله عنه أن رجلًا سأل النبي ﷺ:

    «الرجل يمس ذكره، أعليه وضوء؟»
    فقال:
    «إنما هو بضعة منك»
    رواه الترمذي والنسائي، وصححه بعض أهل العلم.

    وبهذا يُعدّ مس الذكر عند الحنفية كمس أي عضو آخر من الجسد، لا يترتب عليه حكم خاص بنقض الطهارة.

  • مذهب الشافعية – ينقض الوضوء إذا مسه بباطن الكف

    يرى الشافعية أن مس الذكر ينقض الوضوء إذا تحقق فيه شرط واضح، وهو أن يكون المسّ بباطن الكف، دون وجود حائل.

    الدليل: يستدلون بحديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال:

    «من مسّ ذكره فليتوضأ» (رواه أبو داود والترمذي والنسائي).
    وهو حديث صحيح عندهم.

    أما إذا مسّه بظاهر اليد أو بأي عضو آخر مثل الفخذ أو الساعد، فلا وضوء عليه.

    النتيجة: من مس ذكره بباطن الكف مباشرة عند الشافعية، وجب عليه الوضوء قبل الصلاة.

  • مذهب المالكية – خلاف واسع وتفصيل دقيق

    عند المالكية، توجد أربعة أقوال مشهورة لأصحاب المذهب في هذه المسألة، مما يعكس تردد الإمام مالك فيها واختلاف اجتهاد تلاميذه.

    القول الأول:

    لا وضوء ولا إعادة للصلاة بعد مس الذكر، وهو قول سحنون والعتقي.
    – يرون أن المس لا يوجب شيئًا.

    القول الثاني:

    إعادة الصلاة فقط إذا كانت في الوقت، أما بعد خروج الوقت فلا إعادة.
    وهو قول ابن القاسم وأشهب.

    القول الثالث:

    وجوب الوضوء وإعادة الصلاة مطلقًا في الوقت وخارجه، وهو رأي أصبغ بن الفرج وعيسى بن دينار، ويستندون إلى أن ابن عمر رضي الله عنه أعاد صلاة الصبح بسبب مس ذكره.

    القول الرابع:

    التفريق بين المسّ بشهوة أو بدون شهوة، فإن وجد لذة في المسّ وجب عليه الوضوء، وإلا فلا.
    وهو قول إسماعيل بن إسحاق والمالكية البغداديين، ومنهم: ابن المنتاب، الآبهري، وابن كبير.

    الملحوظة الهامة:
    المالكية يفرقون بين باطن الكف وظاهره، فمن مسّ الذكر بظاهر الكف فلا وضوء عليه، لأن الظاهر لا يُعدّ أداة لمس عندهم.

    النتيجة: القول المشهور في المذهب اليوم:
    إذا مس الذكر بباطن الكف ووجد لذة، وجب عليه الوضوء، وإذا صلى بدون وضوء فعليه إعادة الصلاة في الوقت فقط.

  • مذهب الحنابلة – ينقض الوضوء مطلقًا إذا لم يكن هناك حائل

    يذهب الحنابلة إلى أن مسّ الذكر ينقض الوضوء مطلقًا، سواء كان بباطن الكف أو ظاهره، وسواء بشهوة أو بغير شهوة، ما دام المسّ بلا حائل.

    الدليل:
    قول النبي ﷺ:

    «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ» (رواه أحمد وأبو داود).
    – و"الإفضاء" هنا يعني المس المباشر، دون أي حاجز.

    النتيجة:
    من مسّ ذكره عند الحنابلة يجب عليه الوضوء فورًا، ولا تصح منه الصلاة حتى يتوضأ، سواء وجد لذة أو لا، وسواء كانت الكف باطنة أو ظاهرة.

  • خلاصة المقارنة بين المذاهب الأربعة

    المذهب

    هل مس الذكر ينقض الوضوء؟

    هل يشترط وجود لذة؟

    هل يُشترط أن يكون بباطن الكف؟

    الحنفية

    لا ينقض الوضوء

    لا

    لا

    الشافعية

    ينقض إذا كان بباطن الكف

    لا

    نعم

    المالكية

    خلاف بين الأقوال الأربعة

    في بعض الأقوال نعم

    نعم

    الحنابلة

    ينقض مطلقًا بدون حائل

    لا

    لا

  • متى يُعاد الوضوء والصلاة بعد مس الذكر؟

    إن كنت تتبع مذهبًا معينًا: فالأفضل أن تلتزم بفتوى المذهب الذي تتعلم عليه.

    إن لم تكن ملتزمًا بمذهب بعينه: فالأحوط أن تتوضأ بعد مس الذكر، خاصة إن كان المسّ مباشرًا وبباطن اليد، فهذا يرفع الخلاف ويطمئن النفس.

    أما إعادة الصلاة: فهي محل خلاف في بعض المذاهب، ولكن لا يجب عليك الإعادة إن كنت أخذت بقول لا يوجب الوضوء، ثم تبين لك لاحقًا أن القول الآخر أرجح.

  • الفرق بين باطن الكف وظاهره في الحكم عند الشافعية والمالكية

    فرّقوا بين باطن الكف وظاهره، وقالوا:

    باطن الكف: ينقض الوضوء لأنه آلة اللمس الحقيقية.

    ظاهر الكف: لا ينقض الوضوء لأنه ليس موضعًا للمباشرة الحسية.

    وهذا التقسيم مبني على القياس الدقيق والملاحظة الحسية لطبيعة التلامس.

    عند الحنابلة

    قالوا بعدم التفريق بين الباطن والظاهر، لأن الحديث لم يفرّق، و"اليد" تشمل الكل، والإفضاء في النصوص يتناول كل ما لا حائل بينه وبين الفرج

  • أدلة الفريقين ومناقشتها

    أدلة القائلين بالنقض

    حديث بسرة بنت صفوان:

    «من مس ذكره فليتوضأ»
    وهو حديث صحيح، قال عنه الإمام أحمد: "أصح من حديث طلق".

    القياس على مسّ المرأة: فإن كان يمس بدن امرأة ينقض، فمس الفرج أولى.

    قاعدة: ما خرج من السبيلين أو له تعلق بهما، غالبًا ينقض الطهارة، إلحاقًا بما يخرج منهما.

    أدلة القائلين بعدم النقض

    حديث طلق بن علي:

    «إنما هو بضعة منك»
    أي عضو كبقية الأعضاء.

    العمل بالأصل: وهو بقاء الطهارة، ولا ينقضها إلا بدليل قطعي أو راجح.

    ترجيح الحديث الأحدث: حيث قال بعض المحدثين إن حديث طلق متأخر، فيكون ناسخً

  • الرأي الراجح والفتوى العملية

    بالنظر إلى قوة الأدلة ومسلك الاحتياط، وترجيح جمهور أهل العلم، فإن القول بأن مسّ الذكر ينقض الوضوء إذا كان بباطن اليد بدون حائل هو الأرجح، وهو قول الشافعية والحنابلة، واختاره كثير من المتقدمين والمتأخرين، وهو الأحوط للعبادة والصلاة.

    لكن من أخذ بقول الحنفية أو المالكية في بعض تفاصيلها، لا يُنكَر عليه، خاصة إن كان في حال ضرورة أو حرج، فالمسألة من مواطن الخلاف السائغ الذي لا يُبنى عليه تفسيق ولا إنكار.

  • أثر الخلاف في المسألة على الإعادة

    تنبني على هذه المسألة أحكام إعادة الصلاة، خصوصًا في المذهب المالكي، فمن قال إن الوضوء واجب، أوجب الإعادة داخل الوقت أو مطلقًا، ومن نفى النقض، نفى الإعادة.

    لذا يُنصح المسلم بأن يحتاط ويتوضأ إذا مسّ ذكره بيده مباشرة دون حائل، خاصة قبل الصلاة، خروجًا من الخلاف، وامتثالًا لأمر النبي ﷺ:

    «من مس ذكره فليتوضأ».

  • خاتمة

    مسألة نقض الوضوء بمسّ الذكر من المسائل الفقهية التي تعددت فيها الآراء، وتنوعت فيها الأوجه بين المذاهب الأربعة، ما بين القائلين بالنقض مطلقًا، والمفصلين بحسب الكيفية أو اللذة، والمستدلين بالأحاديث الصحيحة في الطرفين.

    ومن خلال النظر الفقهي المتأني، يظهر أن العمل بما قاله الجمهور (الشافعية والحنابلة)، هو أولى وأحوط، لما فيه من تعظيم شأن الطهارة، واتباع ظاهر النصوص.