الأحكامُ المتعلِّقةُ بشَبْكَةِ الخطوبةِ
تناولَ المقالُ الأحكامَ المتعلِّقةَ بشَبْكَةِ الخطوبةِ بدءًا بتعريفِها وحكمِ الشَّريعةِ فيها إن كانت جزءًا من المهرِ أو هديَّةً من الهدايا، وحكمِ استردادِها حالَ فسخِ الخطوبةِ، وحكمِها حالَ موتِ الخاطبِ، ومتى تكونُ جزءًا من المهرِ؟ ومتى تستحقُّها المخطوبةُ بشكلٍ نهائيٍّ؟
جدول المحتويات
- أوَّلاً: ما هي شَبْكَةُ الخطوبةِ؟
- ثانيًا: ما حكمُ الشَّريعةِ في الشَّبْكَةِ؟ وهل تُعتبرُ الشَّبْكَةُ جزءًا من المهرِ أم هي هديَّةٌ منفصلةٌ؟
- ثالثًا: هل يمكنُ استردادُ الشَّبْكَةِ بعد فسخِ الخطوبةِ؟
- رابعًا: ما حكمُ الشَّبْكَةِ عندَ موتِ الخاطبِ؟ وهل يجوزُ لأهلِ الخاطبِ المتوفَّى المطالبةُ بها؟
- خامسًا: متى تكونُ الشَّبْكَةُ جزءًا من المهرِ؟
- سادسًا: متى تكونُ الشَّبْكَةُ حقًّا للمرأةِ بشكلٍ نهائيٍّ؟
-
أوَّلاً: ما هي شَبْكَةُ الخطوبةِ؟
· هي حُليٌّ يقدِّمُها الرَّجلُ للمرأةِ الَّتي يريدُ الزَّواجَ بها (أو يقدِّمُها الخاطبُ لمخطوبتِه)،
· وغالبًا ما تكونُ الشَّبْكَةُ من الذَّهبِ، وقد تكونُ من المجوهراتِ النَّفيسةِ؛ كالألماسِ ونحوهِ.
· ويختلفُ مقدارُها على حسبِ الأعرافِ والعاداتِ والتَّقاليدِ المختلفةِ من بلدٍ لآخر.
-
ثانيًا: ما حكمُ الشَّريعةِ في الشَّبْكَةِ؟ وهل تُعتبرُ الشَّبْكَةُ جزءًا من المهرِ أم هي هديَّةٌ منفصلةٌ؟
· تُعتبرُ الشَّبْكَةُ من الأمورِ المستحدثةِ في الخطوبةِ والزَّواجِ، ولم ينصَّ الفقهاءُ القدامى عليها لعدمِ وجودِها في زمانِهم، فهي أمرٌ قد أقرَّه العرفُ.
· لذلك وقعَ الخلافُ في حكمِها، هل هي جزءٌ من المهرِ على اعتبارِها مبلغًا كبيرًا من المالِ يقدِّمُه الخاطبُ للمخطوبةِ لا تُشبهُ الهدايا المتعارفِ عليها، أم هي هديَّةٌ من الخاطبِ للمخطوبةِ.
· يُفرَّقُ في حكمِ المسألةِ بين حالتين:
o الحالةُ الأولى: أن يُصرِّحَ الخاطبُ للمخطوبةِ بأنَّ هذه الشَّبْكَةَ من المهرِ أو هي هديَّةٌ من الهدايا فالأمرُ كما قالَ.
o الحالةُ الثَّانية: ألا يُصرِّحَ الخاطبُ بأنَّ هذه الشَّبْكَةَ من المهرِ، ففي هذه الحالةِ يكونُ الحكمُ الفاصلُ في الأمرِ هو العرفُ السَّائدُ بين النَّاسِ، وقد جرى اعتبارُ العرفِ في التَّشريعِ الإسلاميِّ؛
لقولِه تعالى:
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعرافُ: 199]،
وفي الأثرِ عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه:
«ما رآهُ المسلمون حسنًا فهو عندَ اللهِ حسنٌ، وما رأوا سيِّئًا فهو عندَ اللهِ سيِّئٌ».
· وقد تعارفَ الناسُ فيما بينَهم في معظمِ البلدانِ على اعتبارِ الشَّبْكَةِ جزءًا من المهرِ، والواقعُ والعرفُ السَّائدُ فيه يَصدقُ على أنَّها جزءٌ من المهرِ،
· قالَ الشَّيخُ أحمد هريدي من علماءِ الأزهرِ السَّابقين:
(جرى العرفُ على أنَّ ما يقدِّمُه الخاطبُ لمخطوبتِه من شَبْكَةٍ يُعتبرُ من المهرِ، وذلك في المدنِ، وفي العائلاتِ الكبيرةِ في القرى، ولذلك يجرونَ على زيادةِ قيمةِ الشَّبْكَةِ إذا قلَّ المهرُ والتَّقليلِ من قيمتِها إذا كبرَ المهرُ، لأنَّها في نظرِهم جزءٌ منه ومتمِّمٌ له، والعرفُ السَّائدُ المقرَّرُ له اعتبارُه في الشَّرعِ.)
· وقد يجري العرفُ في بعضِ البلدانِ الغنيَّةِ أنَّ الشَّبْكَةَ هديَّةٌ، فإذا جرى عرفٌ في بعضِ البلدانِ على اعتبارِها من الهدايا، فإنَّها تأخذُ حكمَ الهدايا.
فالحكمُ فيها مردودٌ إلى العرفِ السَّائدِ في بلدِ الخاطبِ والمخطوبةِ.
-
ثالثًا: هل يمكنُ استردادُ الشَّبْكَةِ بعد فسخِ الخطوبةِ؟
كما ذكرْنا أنَّ حكمَ الشَّبْكَةِ تابعٌ للعرفِ:
· فإن كان العرفُ أنَّها من الهدايا، فتأخذُ حكمَ الهدايا من حيثُ استردادِها،
· وإن كان العرفُ على أنَّها جزءٌ من المهرِ، فتأخذُ حكمَ المهرِ في الاستردادِ وعدمهِ،
· وتفصيلُ الحكمِ في الحالتين:
1- إذا جرى العرفُ على أنَّ الشَّبْكَةَ جزءٌ من المهرِ:
إذا جرى العرفُ أنَّ الشَّبْكَةَ الَّتي يقدِّمُها الخاطبُ لمخطوبتِه هي جزءٌ من المهرِ؛ أخذت حكمَ المهرِ في جوازِ ردِّها وعدمهِ،
ويُفرَّقُ بين حالتين:
o الأولى:
- أن تكونَ المخطوبةُ معقودًا عليها فلها عندَ فسخِ الخطوبةِ نصفُ المهرِ المسمَّى والّذي منه الشَّبْكَةُ.
o الثانية:
- ألا تكونَ المخطوبةُ معقودًا عليها، والمخطوبةُ المعدولُ عن خطبتِها ليست زوجةً حتّى تستحقَّ شيئًا من المهرِ؛ فإنَّ المرأةَ تستحقُّ بالعقدِ دونَ الدخولِ بها نصفَ المهرِ، وتستحقُّ بالدخولِ المهرَ كلَّهُ.
- وقبولُ الشَّبْكَةِ والهدايا؛ كلُّ ذلك من مقدِّماتِ الزَّواجِ، ومن قبيلِ الوعدِ به، فإذا عدلَ أحدُ الطرفينِ عن عزمهِ، ولم يتمَّ العقدُ، فالمقرَّرُ شرعًا أنَّ المهرَ إنّما يثبتُ في ذمَّةِ الزَّوجِ بعقدِ الزَّواجِ، فإن لم يتمَّ العقدُ فلا تستحقُّ المخطوبةُ منه شيئًا، وللخاطبِ استردادُه،
- وبناءً على ذلك؛ فإنَّ الشَّبْكَةَ المقدَّمةَ من الخاطبِ لمخطوبتِه تكونُ للخاطبِ إذا عدلَ الخاطبانِ أو أحدُهما عن عقدِ الزَّواجِ، وليس للمخطوبةِ منها شيءٌ، ولا يؤثِّرُ في ذلك كونُ الفسخِ من الخاطبِ أو المخطوبةِ لأنَّ الشَّبْكَةَ جزءٌ من المهرِ.، أو تابعٌ من توابعِ المهرِ، فهي تأخذُ حكمَ المهرِ؛ لأنَّ التَّابعَ تابعٌ.
2- إذا جرى العرفُ على اعتبارِ الشَّبْكَةِ هديَّةً من الهدايا:
o أخذت الشَّبْكَةُ حينها حكمَ الهدايا من حيثُ الاستردادُ وعدمهُ.
o فيجوزُ له استردادُها على المذهبِ الحنفيِّ والشَّافعيِّ.
o ويستردُّ نصفَها على المذهبِ المالكيِّ.
o ويُفرِّقُ الحنابلةُ في حالِ فسخِ الخطوبةِ إن كان الفسخُ من جهةِ الخاطبِ لم يجزْ له استردادُها، وإن كان من جهةِ المخطوبةِ جازَ له استردادُها.
ولمزيدٍ من التَّفاصيلِ راجعْ مقالتَنا: (الأحكامُ المتعلِّقةُ بهدايا الخطوبةِ).
-
رابعًا: ما حكمُ الشَّبْكَةِ عندَ موتِ الخاطبِ؟ وهل يجوزُ لأهلِ الخاطبِ المتوفَّى المطالبةُ بها؟
يُفرَّقُ في حكمِ الشَّبْكَةِ عندَ موتِ الخاطبِ بين حالاتٍ متعدِّدةٍ:
1- أن تكونَ المخطوبةُ الَّتي توفِّي خطيبُها معقودًا عليها:
فهي حينها زوجةٌ قد توفِّي عنها زوجُها فلها كاملُ المهرِ المسمَّى والّذي منه الشَّبْكَةِ، فتكونُ الشَّبْكَةُ من حقِّها، وليس من حقِّ الأهلِ المطالبةُ بها.
2- أن تكونَ المخطوبةُ الَّتي توفِّي خطيبُها غيرَ معقودٍ عليها:
كما قلنا الأمرُ في حكمِ الشَّبْكَةِ راجعٌ إلى العرفِ السَّائدِ في البلدِ، ونُفرِّقُ بين حالتين:
o الحالةُ الأولى: إن كان العرفُ على أنَّها جزءٌ من المهرِ، فلأهلِ الخاطبِ المطالبةُ بها، لعدمِ وجودِ العقدِ أو الزَّواجِ وكما ذكرْنا فإنَّ المهرَ يثبتُ عندَ وجودِ العقدِ.
o الحالةُ الثَّانيةُ: إذا جرى العرفُ على اعتبارِ الشَّبْكَةِ من الهدايا، لم يكن لأهلِ الخاطبِ المطالبةُ بها؛ لأنَّها في حكمِ الهبةِ، والّذي يعودُ بالهبةِ هو الواهبُ، وهو الخاطبُ وقد توفِّي فثبتَ بوفاتِه ملكُ الهبةِ للموهوبِ، أي ملكُ الشَّبْكَةِ للمخطوبةِ. واللهُ تعالى أجلُّ وأعلمُ.
-
خامسًا: متى تكونُ الشَّبْكَةُ جزءًا من المهرِ؟
تكونُ الشَّبْكَةُ جزءًا من المهرِ إذا صرَّح الخاطبُ بذلكَ، أو جرى العرفُ في البلدِ على اعتبارِها جزءًا من المهرِ.
-
سادسًا: متى تكونُ الشَّبْكَةُ حقًّا للمرأةِ بشكلٍ نهائيٍّ؟
تكونُ الشَّبْكَةُ من حقِّ المرأةِ بشكلٍ نهائيٍّ في الحالاتِ التاليةِ:
1- أن يتمَّ الزَّواجُ بينَ الخاطبِ والمخطوبةِ فحينها تستحقُّ الشَّبْكَةَ بشكلٍ نهائيٍّ سواءٌ أكان العرفُ على أنَّها هدايا أو جزءًا من المهرِ؛ لأنَّ الغايةَ من الأمرينِ قد تحقَّقتْ بالزَّواجِ.
2- أن تكونَ المخطوبةُ معقودًا عليها، ويتوفَّى عنها الخاطبُ قبلَ الدخولِ، فحينها تستحقُّ الشَّبْكَةَ، وتستحقُّ الإرثَ أيضًا؛ لأنَّها زوجةٌ شرعًا.
3- أن يكونَ العرفُ على أنَّها من الهدايا، ويفسخُ الخاطبُ الخطوبةَ، حينها تستحقُّ المخطوبةُ الشَّبْكَةَ على المذهبِ الحنبليِّ؛ لأنَّها هديَّةٌ لم يجزْ له استردادُها بفسخِه للخطوبةِ، واللهُ تعالى أجلُّ وأعلمُ.
تنبيه هام:
إنَّ محتويات هذه المقالة خاصَّةً بموقع مؤمنة الإلكترونيِّ، ولا نجيز لأحد أخذها أو الاقتباس منها دون الإشارة لرابطها في موقعنا ولا نسامح على سرقة تعبنا فيها؛ نظرًا للوقت والجهد المبذولين فيها وحفاظًا على الحقوق العلميَّة لمحتوى موقعنا.