حكم تهذيب الحاجبين للمرأة وعلاقته بالنمص: رؤية شرعية مفصلة
تعرفي على الحكم الشرعي في تهذيب الحاجبين للمرأة، مع الفرق بين النمص والتهذيب، وفتاوى العلماء والمذاهب الأربعة، مدعومة بالأدلة من السنة النبوية والآثار عن السلف الصالح.

-
مقدمة
يُعدّ الاهتمام بالمظهر من الفطرة التي فطر الله النساء عليها، وقد أباح الإسلام للمرأة أن تتجمل في حدود ما أقرّه الشرع. ومن المسائل التي كثر الجدل فيها في العصر الحديث: مسألة تهذيب الحاجبين للمرأة، وهل يعد ذلك من النمص المحرّم؟ وما الفرق بين النمص وتهذيب الزائد من الشعر؟ وهل يختلف الحكم بين المتزوجة وغير المتزوجة؟ في هذه المقالة نعرض الرأي الشرعي المعتمد، مدعومًا بالأدلة والنقول عن الأئمة والمذاهب الأربعة.
-
الزينة التي يجوز للمرأة إظهارها
أباح الإسلام للمرأة أن تتزين بما يظهر عادة من وجهها وكفيها وقدميها، كما قال تعالى:
﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 31].
وقد فسر العلماء الزينة الظاهرة بأنها ما جرت العادة بإظهاره، كالكحل، والخضاب، وسواد الحاجبين، وحمرة الوجه. وهذا ما أشار إليه أبو حيان الأندلسي بقوله:
"سومح في الزينة الظاهرة؛ لأن سترها فيه حرج"، مما يدل على أن الزينة الظاهرة لها حكم خاص من التيسير والقبول. -
آراء المذاهب الفقهية الأربعة
- المالكية: نقل النفراوي في "الفواكه الدواني" أن إزالة ما يزيد جمال المرأة واجبٌ عليها.
- الحنفية: نقل الإمام محمد بن الحسن الشيباني عن أبي حنيفة أنه قال بجواز "حف الشعر من الوجه".
- الحنابلة: قال الإمام أحمد بن حنبل: "لا بأس به للنساء".
- الشافعية: ذكروا في كتبهم جواز تهذيب المرأة لحاجبها إن لم يكن بقصد تغيير الخلقة، أو التدليس.
وقد أجاز بعض العلماء الأمر حتى للرجال إذا كان في إزالة الزائد من الحاجبين تحسين للمظهر دون تشبه بالنساء، فقد رُوي عن الإمام أحمد أنه كان يأخذ من حاجبيه بالمقراض.
- المالكية: نقل النفراوي في "الفواكه الدواني" أن إزالة ما يزيد جمال المرأة واجبٌ عليها.
-
آراء الفقهاء المعاصرين
تؤكد دار الإفتاء المصرية، ممثلة في فتوى الدكتور شوقي علام، أنه يجوز للمرأة شرعًا تهذيب حاجبيها بأخذ الزائد منهما، خاصة إذا كان شكلهما منفرًا أو خارجًا عن المألوف، كالشعر الخارج عن الحد الطبيعي أو الطويل المؤذي للعين.
وقد وردت آثار عن السلف الصالح تدل على جواز تهذيب الحاجبين للنساء. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت لامرأة تسألها عن نتف الشعر:
"أميطي عنك الأذى، وتَصَنَّعي لزوجك كما تَصَنَّعين للزيارة".
وهذا يدل على أن إزالة الزائد من شعر الوجه، ومنه الحاجبان، جائز ما دام يُزيل الأذى ويُحسّن الخلقة.بل ورد في رواية أخرى أنها قالت: "أميطي الأذى عن وجهكِ"، وهي عبارة عامة تشمل كل ما يشوه منظر الوجه أو يسبب ضيقًا.
-
الفرق بين النمص المحرّم والتهذيب المباح
جاء في الحديث الشريف:
"لعن الله النامصة والمتنمصة" [رواه البخاري].
وقد فسر العلماء النمص بأنه إزالة شعر الحاجب تغييرًا لخلق الله أو طلبًا للجمال المصطنع، لا مجرد التهذيب الطبيعي.ومن هنا فإن الفرق بين النمص المحرم والتهذيب المباح يتلخص في:
- النمص: هو التغيير الكامل لشكل الحاجبين، ويكون بقصد التدليس أو اتباع موضة محرمة، وهو ما نص الحديث على تحريمه.
- التهذيب: هو أخذ الزائد من الشعر الخارج عن الحاجب، أو تخفيف الشعر الطويل المؤذي، دون تغيير لهيئة الحاجب الأصلية.
وهذا التهذيب جائز بإجماع عدد من العلماء، لا سيما إذا كان لمقصد مباح كالتزين للزوج أو إزالة ما يشوّه الوجه.
- النمص: هو التغيير الكامل لشكل الحاجبين، ويكون بقصد التدليس أو اتباع موضة محرمة، وهو ما نص الحديث على تحريمه.
-
هل الحكم يختلف بين المتزوجة وغير المتزوجة؟
أفتت دار الإفتاء المصرية بأن الحكم لا يختلف بين المتزوجة وغير المتزوجة، إذ إن الأصل هو إباحة التهذيب إذا خلا من نية التدليس أو التغرير بالخاطب، ولم يكن فيه تغيير لخلق الله عز وجل. لكن التشديد يكون على غير المتزوجة إذا قصدت خداع الراغبين في الزواج بمظهر زائف.
وقد جاء عن بَكرَة بنت عقبة:
"إن كان لكِ زوج فاستطعتِ أن تنزعي مقلتيكِ فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلي"، مما يدل على أن التزين للزوج مشروع بل مطلوب، بشرط ألا يخرج عن حدود الاعتدال. -
الخلاصة
- يجوز للمرأة تهذيب حاجبيها بأخذ الزائد عنهما، إذا كان ذلك لتحسين المظهر، أو إزالة الأذى، أو التزين للزوج، دون تغيير لهيئة الحاجب الأصلية.
- لا يختلف الحكم بين المتزوجة وغير المتزوجة، ما لم يُقصد به التدليس.
- النمص المحرم هو ما صاحبه تغيير للخلقة أو اتباع لموضات فاسدة أو تدليس، وهذا الذي ورد فيه اللعن.
- القول بالجواز مدعوم بأحاديث وآثار عن السلف، وفتاوى صريحة من دار الإفتاء المصرية، وهو رأي جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة.
- يجوز للمرأة تهذيب حاجبيها بأخذ الزائد عنهما، إذا كان ذلك لتحسين المظهر، أو إزالة الأذى، أو التزين للزوج، دون تغيير لهيئة الحاجب الأصلية.
-
خاتمة
إن الإسلام دين الفطرة، لا يحرّم ما هو مباح بطبيعته ما لم يتجاوز حد الاعتدال أو يفضِ إلى الضرر. وقد راعى الشارع الحكيم طبيعة المرأة وميلها للتزين، وأباح لها ما يعينها على إظهار أنوثتها في حدود ما شرعه الله. فتهذيب الحاجبين من الزينة المباحة إذا كان دون غلوّ أو قصد محرم، وليس من النمص الذي ورد فيه الوعيد، ما دام في إطار الحفاظ على الخلقة وعدم التلاعب بها.