حكم لبس الثياب الملونة للرجال والنساء في الإسلام
في هذا المقال نستعرض الحكم الشرعي في لبس الثياب الملونة للرجال والنساء وفقاً للمبادئ المستمدة من القرآن والسنة وأقوال العلماء. نتناول شروط لباس المرأة المسلمة التي ينبغي مراعاتها عند خروجها، فضلاً عن أدلة جواز لبس الألوان المختلفة عند الرجال، مع التركيز على تجنب اللباس الملفت وتشجيع التواضع في المظهر

-
الضوابط الشرعية العامة في اللباس
يعتمد الإسلام على مبادئ تحفظ الحياء وتمنع الفتنة عند ارتداء الثياب، ومن أهم هذه الضوابط:
· الستر وحفظ العورة:
يجب أن يكون اللباس ساترًا للجسد، إذ أمر الله تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ" [الأعراف: 26]. وللمرأة شروط خاصة لضمان ستر جميع جسدها، باستثناء الوجه والكفين وفقاً لاختلافات الفقهاء في جواز أو وجوب سترهما.· عدم التشبه بالآخرين:
حُرّم التشبه بلباس الرجال أو الكفار؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" (رواه أحمد وأبو داود)، مما يؤكد على ضرورة التميّز في المظهر بما لا يؤدي إلى اللبس بين الجنسين أو مع غير المسلمين.· التحذير من لباس الشهرة:
إن اللباس الذي يُبرز صاحبه من خلال اختلافه عن لبس غالبية الناس يُعتبر لباس شهرة؛ وقد روى النبي صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة" (رواه أبو داود وابن ماجه). وبالتالي يجب تجنب الثياب الملفتة التي يقصد منها الظهور والتفاخر. -
حكم لباس المرأة المسلمة وما يستوجبه
شروط اللباس الشرعي للمرأة
ليس الهدف من اللباس مجرد تغطية الجسد، بل الوصول إلى سترته وتفادي لفت الأنظار، وقد حدد العلماء شروطًا واضحة للبس المرأة عند خروجها من البيت:
1. الستر الشامل:
أن يكون اللباس مستوعباً لجميع الجسم مع استثناء الوجه والكفين، إذ اختلف العلماء في وجوب ستر الوجه والكفين بينهم مع اتفاقهم على ضرورة سترهما خوفًا من الفتنة.2. عدم الزينة الملفتة:
يجب ألا يكون اللباس مزيناً بما يلفت أنظار الرجال؛ فقد جاء في الكتاب: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ" [النور: 31]؛ كما يؤكد الحفاظ على الفطرة الإسلامية في عدم الإظهار مبالغاً.3. عدم شفافية الثوب:
ينبغي أن يكون الثوب صفيقاً لا يظهر ملامح الجسم، لأن الشفافية تزيد من خطر الفتنة؛ إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نساء كاسيات عاريات" (رواه مسلم).4. الفضفاضة وعدم الضيق:
يجب أن يكون اللباس فضفاضاً وغير ضيق حتى لا يُظهر حجم أعضاء الجسم بطريقة مبالغ فيها، وهو أمر يساهم في الوقاية من الوقوع في الفتن.5. عدم التطيب في المناسبات العامة:
حرمت الأحاديث خروج المرأة متطيبة؛ فقد روى النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة تعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية" (رواه النسائي وأبو داود).6. عدم التشبه بلباس الرجال:
لا يجوز للمرأة ارتداء الملابس ذات الطراز أو القصات الخاصة بالرجال، مما يحافظ على حدود الاختلاف بين الجنسين.7. عدم التشبه بلباس الكفار:
تُنهى النصوص الشرعية عن التشبه بلباس أهل الكفر لما فيه مخالفة مقاصد الشريعة في المحافظة على الهوية الإسلامية.8. عدم اعتماد اللباس الذي يقصد به الشهرة:
لا يجوز اختيار الثوب بقصد الظهور والإشاعة بين الناس، سواء كان ذلك في الشكل أو اللون؛ إذ يشكل اللباس الشهرة دعوة إلى التفاخر والتباهي. -
تأثير العرف والعادات المجتمعية على حكم اللباس الملون
على الرغم من أن الشريعة لا تلزم المرأة بلونٍ محدد، فإن مسألة الألوان في اللباس تتأثر بالعرف والعادات المجتمعية، حيث تُعتبر مسألة "عرف" يُراعى فيها ما هو مقبول اجتماعيًا وشائعًا بين الناس؛ وفي هذا السياق نذكر:
- تحديد ما يعد من الزينة الملفتة: في بعض المجتمعات يعتبر لون معين كثيفة أو براقة من علامات الزينة الملفتة، وبالتالي إذا ارتدت المرأة ثوبًا ملونًا بهذه الظاهرة فقد يُفهم منه قصد التزين المفرط الذي يخالف روح الاحتشام. ومن هنا يتخذ العرف دورًا في تحديد الحدود، بحيث يُصنف اللون إذا كان شائعًا بين المسلمين ولا يحمل في طياته إشارة إلى التفاخر أو التشبه بملابس غير المسلمين، فإنه يظل مباحًا.
- تفاوت القياس الثقافي: قد تختلف القبائل والمجتمعات في قبول ألوان معينة؛ فبعض الثقافات قد ترى في اللون الأحمر أو الأزرق مؤشرات للحداثة أو التميز دون اعتبارها من الزينة الملفتة، بينما في مجتمع آخر قد يُنظر إلى نفس اللون على أنه مبهر وجاذب للانتباه. وهنا يكون العرف عاملاً محددًا لتطبيق الحكم الشرعي بصورة عملية.
- الاعتبارات العملية والبيئية: بالإضافة إلى ذلك، يلعب العرف دورًا في اختيار اللباس بما يتوافق مع الظروف المناخية والاجتماعية؛ فمن الممكن أن يُفضل في بعض البيئات ألوان معينة لأسباب وظيفية (مثل عدم امتصاص الحرارة أو حفاظًا على النظافة)، وهذا لا يتعارض مع الضوابط الشرعية مادام لا يكون ذلك مصحوبًا بنية التباهي أو الظهور الملفت.
المرونة والاعتدال في التطبيق
يظهر في التطبيق العملي للمسلمين والمسلمات مرونة ملحوظة، فقد جاء التفسير بأن الشريعة لا تُولي اهتماماً للون الثوب بقدر ما تُعنى بكيفية ارتدائه وفق ضوابط الحياء والستر. ولذلك:
- يجوز للمراة اختيار أي لون يتماشى مع العادات المجتمعية التي لا تشجع على إظهار الزينة أو إثارة الانتباه، بل تضمن ارتداء لباس متواضع وساتر.
- وفي حالة انتشار ألوان معينة في بيئة معينة باعتبارها من اللباس العادي الذي لا يثير الجدل أو الفتنة بين الناس، فإن هذه الألوان تُعتبر مقبولة شرعاً دون الحاجة لإقرارها أو رفضها على أساس ديني حصري.
- تُعتبر مسألة "العرف" عنصراً مساعداً في تكييف الحكم الشرعي مع متغيرات العصر والمجتمع، مما يسمح باستمرارية التطبيق العملي في ظل اختلاف الثقافات والأذواق مع الحفاظ على الهدف الأساسي من ستر المحاسن والوقاية من الفتنة.
- تحديد ما يعد من الزينة الملفتة: في بعض المجتمعات يعتبر لون معين كثيفة أو براقة من علامات الزينة الملفتة، وبالتالي إذا ارتدت المرأة ثوبًا ملونًا بهذه الظاهرة فقد يُفهم منه قصد التزين المفرط الذي يخالف روح الاحتشام. ومن هنا يتخذ العرف دورًا في تحديد الحدود، بحيث يُصنف اللون إذا كان شائعًا بين المسلمين ولا يحمل في طياته إشارة إلى التفاخر أو التشبه بملابس غير المسلمين، فإنه يظل مباحًا.
-
تطبيق الشروط على العباءات والموديلات الحديثة
يُطبق ذلك على مختلف أنواع العباءات سواء كانت عمانية أو سعودية أو قطرية أو غيرها، فلا يُخول للمرأة ارتداء عباءة مطرزة تزيد من جمالها وتفاصيلها بطريقة ملفتة، أو عباءة ضيقة تُظهر حجم الملامح بشكل واضح. والهدف هو أن تظل المفاتن مخفية دون إجبار المرأة على ارتداء لون معين. فمثلاً، إذا كان اللباس الملون غير ملفت للانتباه ولا يتعارض مع مبادئ الحياء والستر، فإنه مباح شرعاً.
-
حكم لبس الثياب الملونة عند الرجال
1. جواز لبس مختلف الألوان
يسمح الإسلام للرجال بلبس الثياب الملونة بشرط ألا يقصد من ذلك الإظهارية أو التشبه بالكفار. إذ تعتبر الألوان في حد ذاتها مجرد مادة ولا تحمل معاني إضافية إلا إذا ارتبط استخدامها بقصد التفاخر والإبراز. ومن الأدلة:
· تحبيب لباس الأبيض:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم" (رواه أحمد وأبو داود)، مما يدل على استحباب الأبيض دون إلزام.· جواز لبس اللون الأحمر:
ورد في أحد الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء، كما قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "ولقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئاً قط أحسن منه" (متفق عليه). إلا أنه جاء النهي عن لبس الثوب المعصفر أو المصبوغ بالعصفر، إذ تحدث النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو قائلًا: "إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها" (رواه مسلم).2. اختلاف آراء العلماء حول الثوب المعصفر
تناولت الأحاديث مسألة الثوب المصبوغ بالعصفر، حيث اختلف العلماء:
- أكد البعض تحريمها أو كراهتها فيما يُظهرها كمظهر من مظاهر البذخ والتفاخر.
- بينما اجتهد آخرون في جواز لبسها مع تفضيل تركها خارج المظاهر العامة، خاصةً في المجالس والأسواق.
3. شرط عدم الاشتهار والتفاخر
كما حُذّر من لبس الثوب الذي يميّز صاحبه عن غيره؛ ففي هذا السياق قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة" (رواه أبو داود وابن ماجه). ويجب على الرجل اختيار اللباس المتواضع والمتوافق مع سنته النبوية دون تمييز أو تفاخِر.
- أكد البعض تحريمها أو كراهتها فيما يُظهرها كمظهر من مظاهر البذخ والتفاخر.
-
التواضع في الملبس وعلاقة اللباس بالإيمان
يؤكد الإسلام على أن اللباس ليس وسيلة للزينة الفارهة أو التفاخِر وإنما هو بمثابة غطاء يحفظ كبرياء المسلم ورونقه دون إفراط. ففي الحديث الشريف:
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة" (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه)، مما يدل على ضرورة الاعتدال في الملبس.
- كما روى حديث آخر: "البذاذة من الإيمان" (متفق عليه عند كثير من المحدثين)، فتعتبر التواضع في اللباس وترك التبجح من علامات الإيمان والتقوى.
إن التواضع في الملبس يجعل من الثوب ترجمانًا لحسن الخلق والسمو الداخلي، كما أنه يعكس انضباط المسلم في التقيد بضوابط الشريعة التي تبين الحدود بين الفتنة والاحتشام.
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة" (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه)، مما يدل على ضرورة الاعتدال في الملبس.
-
الخاتمة
في زمن تسود فيه مظاهر الظهور والتفاخر، يجد المسلم والمسلمة أن العودة إلى تعاليم الشريعة بتبني اللباس المعتدل والملتزم بمبادئ الستر والتواضع تُعدُّ خطوة جريئة نحو حماية النفس والمجتمع من آثار الفتنة. اللون بحد ذاته ليس مستحيلًا أو محرمًا، بل يُعتمد فيه شرط أن يكون اللباس عاديًا وغير ملفت للنظر. يستحق كل من الرجل والمرأة الاهتمام بجوهر اللباس الذي يستر دون زينة متطرفة، مضيفين بذلك انطباعاً حسنًا يتماشى مع روح الإسلام السمحة التي تشجع على الحياء والاعتدال.
والله أعلم.