النَّجَاسَات المُتَّفَقِ عَلَى نَجَاسَتِهَا عِنْدَ الفُقَهَاءِ

تناول المقال النَّجاسات الَّتي اتَّفق فقهاء المذاهب الأربعة من الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة على نجاستها، واشتملت: (لحم الخنزير والميتة ذات الدَّم السَّائل ودم الحيوان غير المائيِّ والقيح والغائط وبول الآدميِّ [غير الرَّضيع الذَّكر] وبول الحيوانات غير المأكولة اللَّحم والقيء والمذي والودي والخمر ولحوم الحيوانات غير مأكولة اللَّحم) مع بيان التَّطبيقات المعاصرة والمسائل الشَّائعة فيها بالواقع.

النَّجَاسَات المُتَّفَقِ عَلَى نَجَاسَتِهَا عِنْدَ الفُقَهَاءِ
النجاسات المُتَّفَقُ على نجاستها عند الفقهاء
  • 1- لَحْمُ الخِنْزِيرِ:

    ·      وإن حصل عليه بذبحه ذبحًا شرعيًّا؛ لأنَّه نجس العين، فقد أجمع الفقهاء على نجاسته، وتشمل النَّجاسة كلَّ أجزائه، حتَّى الشَّعر والجلد -ولو كان مدبوغًا-.

    ·      والمعتمد عند المالكيَّة: أنَّ الخنزير الحيَّ (وعرقه ودمعه ومخاطه ولعابه) طاهر.

    _وتطبيق المسألة على الواقع:_

    هل لمس الخنزير أو لحم الخنزير ينقض الوضوء، أو يوجب الغسل؟

    _الجواب:_

    الخنزير نجس العين بالنَّصِّ القرآنيِّ ولمس لحمه يؤدِّي إلى نجاسة اليد لا انتقاض الوضوء ولا وجوب الغسل، لذلك من لمس لحمه فعليه غسل يده جيِّدًا دون إعادة الوضوء أو الاغتسال، فمن المعلوم أنَّ لمس النَّجاسة ليس من نواقض الوضوء ولا من موجبات الغسل.

  • 2- المِيْتَةُ:

    سواء أكانت مأكولةً اللَّحم أو غير مأكولة، فقد اتَّفق العلماء على نجاستها إذا كانت حيوانات غير مائيَّة، وذات دم سائل (كالكلب والشَّاة والهرَّة والعصفور).

    _وتطبيق المسألة على الواقع:_

    هل الحشرات الميتة (كالذُّباب والصَّراصير) نجسة؟

    _الجواب:_

    الحشرات لا دم سائل لها، وهي طاهرة سواء أكانت حيَّة أو ميتة، فلا تنجِّس الماء الَّذي تحلُّ فيه إلَّا أن كانت تنشأ في مكان النَّجاسات كصراصير البالوعة فإنَّها نجسة، لكن لا يضرُّ مرورها بالمكان لصعوبة التَّحرُّز منها.

  • 3- دَمُ الحَيَوَانِ غَيْرِ المَائِيِّ:

    إذا انفصل عنه وكان مسفوحًا، وبهذا يمكن أن يستثنى من ذلك (أو بعبارة أخرى أنواع الدَّم الطَّاهر هي):

    ·      دم الشَّهيد.

    ·      دم السَّمك بأنواعه، فهو طاهر عند الحنفيَّة والحنابلة.

    ·      ودم الكبد، والطِّحال والقلب.

    ·      وما بقي في عروق الحيوانات المذكَّاة بعد ذبحها، لصعوبة التَّحرُّز منه وفصله عن اللَّحم.

    لكن عند الشَّافعيَّة إن كان الدَّم مسفوحًا فهو نجس وإن كان دم سمك أو ذباب أو قراد. _تطبيق المسألة على الواقع:_

    هل الفسيخ طاهر أم نجس؟ وهل يجوز أكل لحم الفسيخ، أو هل أكل الفسيخ حلال أم حرام؟

    _وجواب ذلك:_ أنَّ الخلاف في المسألة يعود إلى:

    ·      حكم الدَّم الخارج من السَّمك عند تخليله بالملح؛ هل هو دم مسفوح فأكله حرام وحتَّى وإن كان دم سمك عند الشَّافعيَّة والمالكيَّة،

    ·      وكذلك لنجاسة ما في بطن السَّمكة حيث تخلَّل بالملح دون تنظيف بطنها.

    فذهب الحنفيَّة والحنابلة إلى طهارة السَّمك ودم السَّمك وطهارة الفسيخ وقالوا:
    إنَّ ما يخرج من السَّمك عند تخليله هو رطوبة ولا يعتبر دمًا مسفوحًا.

  • 4- القَيْحُ:

    اتَّفق العلماء على نجاسته لأنَّه دم قد فسد، فإذا كان الدَّم نجسًا فالقيح -من باب أولى-. _تطبيق المسألة على الواقع:_

    هل دم البثور والصَّديد الَّذي يخرج منها نجس؟

    _وجواب ذلك:_

    الأصل فيها النَّجاسة لكن يعفى عن القليل منها إذا كان خروجه من غير السَّبيلين، لأنَّ كلَّ خارج من السَّبيلين فهو نجس، وذلك لأنَّ في الاحتراز من قليله مشقَّة.

  • 5- الغَائِطُ:

    سواء أكان غائط آدميّ، أو غائط حيوان غير مأكول اللَّحم؛ باستثناء خرء الطُّيور. _وتطبيق المسألة على الواقع:_

    ·      هل غائط الرَّضيع طاهر؟ وهل غائط الرَّضيع ينقض الوضوء؟

    _الجواب:_

    الغائط كلُّه نجس سواء أكان رضيع أم صغير أم كبير، وعليه فلا يجوز الصَّلاة بثياب عليها غائط طفل رضيع، وكونه نجس لا يعني نقضه للوضوء إنَّما يكتفى بغسله.

    ·      ما حكم ذرق (خرء - غائط) الطُّيور كالحمَّام والعصافير؟

    _الجواب:_

    طاهر عند جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والمالكيَّة، وهو الظَّاهر عند الحنابلة ومعفوّ عنه عند الشَّافعيَّة وذلك لعموم البلوى به بسبب امتلاء الشَّوارع والطُّرقات بها، ولإجماع المسلمين على ترك الحمَّام في المساجد، وعلى ذلك فإنَّ أصاب شيء منه بدن الإنسان، أو ثوبه داخل الصَّلاة، صحَّت صلاته ولم تبطل.

  • 6- بَوْلُ الآدَمِيِّ، وَبُولُ الحَيَوَانَاتِ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ:

    ·      باستثناء بول الفأر والخفَّاش، فهذا ممَّا يبول بالهواء، وذاك ممَّا لا يمكن التَّحرُّز منه، قال الحنفيَّة بالعفو عن بولهما في الثِّياب والطَّعام فقط، دون ماء الآنية.

    ·      وكذلك يعفى عن بول الصَّبيِّ الرَّضيع، فيكتفي برشِّه عند الشَّافعيَّة والحنابلة مع أنَّه نجس للحديث الوارد فيه.

    _تطبيق المسألة على الواقع:_

    هل بول الرَّضيع نجس؟ ولماذا يفرِّق بين بول الذَّكر وبول الأنثى في النَّجاسة والطَّهارة؟

    _الجواب:_

    بول الرَّضيع (الذَّكر) الَّذي لم يأكل الطَّعام يكفي في تطهيره -إن أصاب الثَّوب- أن يرشَّ بالماء رشًا يعمُّ مكان البول، ولا يجب غسله، بخلاف بول الأنثى فالواجب غسل الثَّوب منه، ولو كانت رضيعةً.

    وسبب التَّفرقة في الحكم بين بول الذَّكر وبول الأنثى هو:

    ·      كثرة حمل الرِّجال والنِّساء للطِّفل الذَّكر، فتعمُّ البلوى ببوله فيشقّ غسله.

    ·      أنَّ بوله يخرج بقوَّة وشدَّة دفع، فينتشر وتكثر الإصابة منه، فيشقُّ غسل ما أصابه كلُّه، بخلاف بول الأنثى.

    ·      أنَّ بول الأنثى أخبث وأنتن من بول الذَّكر، وسببه حرارة الذَّكر ورطوبة الأنثى، فالحرارة تخفِّف من نتن البول، وتذيب منها ما يحصل مع الرُّطوبة.

  • 7- القَيْءُ:

    إذا كان من آدميّ، ولو من رضيع ساعة إرضاعه، أو كان من حيوان، فما اجترَّته الحيوانات -كالإبل والغنم- نجس قلَّ أو كثر.

    _تطبيق المسألة على الواقع:_

    هل قيء الرَّضيع طاهر أم نجس؟

    _الجواب:_

    ·      الأصل الوارد في كتب الفقهاء أنَّ القيء نجس، لكنَّ الفقهاء المعاصرين منهم من قال بطهارته مطلقًا كالشوكاني، وتبعه في ذلك ابن عثيمين، وذلك لعموم البلوى به.

    ·      ومنهم من فرق بين ما استقرَّ بالمعدة ثمَّ تمَّ ترجيعه، وبيَّن ما يرجعه الطِّفل من فوره، ويعرف ذلك من مواصفات اللَّبن ورائحته فمًا استقرَّ بالمعدة وتمَّ ترجيعه فهو نجس وما تمَّ ترجيعه على الفور فهو طاهر حكمه حكم اللَّبن من الطَّهارة.
    وهو قول دار الإفتاء المصريَّة، وقول الشِّربيني في مغنِّي المحتاج:
    "وأمَّا ما رجع من اللَّبن الخارج من فم الصَّبيِّ مباشرة ولم ينزل إلى المعدة؛ فليس بقيء، وهو باقٍ على أصل طهارته." -واللَّه أعلم-.

  • 8- المَذْيُ:

    وهو ماء أبيض رقيق، يخرج عند الشَّهوة من غير دفق، من الرَّجل أو المرأة، وهو ناقض للوضوء؛ لما روي عن علي رضي اللَّه عنه: كنت رجلاً مذَّاء، فذكرت ذلك للنَّبيِّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- فقال: «إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك، وتوضَّأ وضوءك للصَّلاة».

  • 9- الوَدْيُ:

    وهو ماء أبيض، كدر ثخين، يخرج قبل البول أو بعده، فإنَّه نجس أيضًا؛ لأنَّه يخرج مع البول أو بعده.

    _تطبيق المسألة على الواقع:_

    ما حكم الإفرازات الَّتي تخرج من المرأة؟

    _الجواب:_

    يقول اللَّه تعالى: (بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) فالمرأة هي أعلم شخص بسبب ومصدر نزول هذه الإفرازات كالآتي:

    ·      فإنَّ نزلت هذه الإفرازات بسبب شهوة فهو المذي وهو نجس ناقض للوضوء لخروجه من أحد السَّبيلين.

    ·      وإن نزلت عند البول أو بعده فهو الودي وهو نجس ناقض للوضوء لخروجه من أحد السَّبيلين.

    ·      وإن شعرت المرأة بنزول شيء منها فالإفرازات من داخل الرَّحم وتكثر في مدَّة الإباضة، وهي نجسة ناقضة للوضوء لخروجها من أحد السَّبيلين.

    ·      وإن لم تشعر بها فهي رطوبة الفرج، وهي طاهرة لا تنقض الوضوء.

    فالأمر تقديري يختلف بحسب السَّبب والأحوال، كما يمكن أن تعرفه المرأة من خلال المواصفات، والمرأة هي وحدها الحاكم في ذلك.

  • 10- الخَمْرُ:

    اتَّفق العلماء على نجاسة الخمر؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) [المائدة: 90].

    _وتطبيق المسألة على الواقع:_

    هل المخدِّرات نجسةٌ؟

    _الجواب:_

    النَّصُّ ورد بتحريم الخمر، ويلحق بها المائعات المسكرة، أمَّا المخدِّرات فباقية على الأصل من الطَّهارة، لأنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة،
    وعليه: فتجوز الصَّلاة مع حمل شيء من هذه المخدِّرات، كما يصحُّ التَّداوي بها.

  • 11- لُحُومُ الحَيَوَانَاتِ غَيْرِ المَأْكُولَةِ وَألبَانِهَا:

    لأنَّها متولِّدة من اللَّحم، فتأخذ حكم اللَّحم في النَّجاسة.