قصة نبي الله أرميا عليه السلام
قصة نبي الله أرميا عليه السلام من القصص العظيمة التي تحمل في طياتها العبرة والعظة. تعرف على تفاصيل دعوته لبني إسرائيل، وصبره على أذاهم، والدمار الذي حلّ بقومه بسبب معاصيهم، وكيف واجه النبي البكّاء المحن بثبات ويقين. مقال مميز يجمع بين السرد التاريخي والموعظة الإيمانية، بأسلوب مبسط ومؤثر.

-
مقدمة
زمن كثرت فيه المعاصي، وعمت الفواحش، واستشرى الظلم، حتى بلغ الحال ببني إسرائيل أن قتلوا أنبياء الله، وسفكوا دماء الصالحين، وانقلبوا على أوامر ربهم، فبعثه الله رحمة بهم وإنذارًا، يدعوهم إلى التوبة والرجوع إلى الله.
كان أرميا عليه السلام رجلاً صالحًا، زاهدًا، بكّاءً من خشية الله، عُرف بورعه وتقواه، واشتهر بكثرة بكائه حتى لُقّب بـ"النبي البكّاء". لم يكن يسعى إلى جاه أو مال، بل كان يحمل في قلبه همّ قومه، يريد لهم الهداية والنجاة من العذاب.
-
دعوة أرميا وبداية المحنة
أوحى الله إلى أرميا أن يعظ بني إسرائيل ويذكرهم بنعم الله عليهم، ويخوفهم من بطش الجبار، ويصف لهم ما سيحلّ بهم من الدمار والخراب إن استمروا في غيّهم. فوقف أرميا فيهم، ينذرهم، ويبين لهم الحق، ويذكرهم بعهد الله وميثاقه.
لكنهم، بدل أن يستمعوا إليه، قابلوه بالتكذيب والسخرية، بل قالوا له:
"لقد افتريت على الله، أتزعم أن الله يترك أرضه ومساجده بلا كتاب ولا توحيد؟"
واتهموه بالجنون، وقيدوه، وسجنوه في عهد ملكهم "صدقيا"، وظل في السجن عشر سنين، لا يملك من أمره شيئًا، صابرًا محتسبًا، واثقًا بربه. -
نزول العذاب: بختنصر وجنوده
فلما أصرّ القوم على عنادهم، أرسل الله عليهم الملك البابلي "نبوخذ نصر" (بُختنصر) بجيش عظيم، فحاصر مدينة أورشليم (بيت المقدس)، حتى أجهز عليهم، فقتل منهم الثلث، وسبى الثلث، وترك الشيوخ والنساء ضعافًا، وداس أرضهم بالخيل، وخرّب المساجد، وأحرق التوراة، وهدم هيكل سليمان، وأذلّ من بقي منهم.
ولما سمع نبوخذ نصر بأن في السجن رجلًا كان يُحذر القوم من هذا البلاء، ويخبرهم بمجيئه وبما سيفعل بهم، فأخرج أرميا من السجن، وسأله:
"أكنت تحذرهم مما أصابهم؟"
فقال: "نعم، أرسلني الله إليهم فكذبوني، وضربوني، وسجنوني."فقال له نبوخذ نصر:
"بئس القوم قوم كذبوا نبيهم وكذبوا رسالة ربهم، هل تريد أن تأتي معي فأكرمك، أم تبقى في بلادك وقد أمنتك؟"فأجابه أرميا عليه السلام بجواب المؤمن الواثق بالله:
"منذ كنت، أنا في أمان الله، لم يخرجني منه أحد، ولو أن قومي بقوا في أمان الله، لما سلطك الله عليهم."فأعجب نبوخذ نصر بجوابه وتركه، فعاش أرميا في أرض بيت المقدس، يبكي على حال قومه، ويرى خراب الأرض والديار بأم عينيه.
-
بعد الخراب: التوبة المتأخرة
اجتمع إلى أرميا من بقي من الضعفاء، وقالوا: "تبنا إلى الله، فادعُ الله أن يقبل توبتنا."
فدعا ربه، فأوحى الله إليه:
"إنهم كاذبون، فإن كانوا صادقين فليبقوا في بيت المقدس المخرب، الذي غضبتُ على أهله."فأخبرهم أرميا بذلك، فقالوا: "لا نقيم في هذه الأرض المخربة."
فبان كذب توبتهم، وظهر أنهم لم يخلصوا في رجوعهم إلى الله. -
رحلة أرميا إلى مكة
ثم أوحى الله إلى أرميا أن يذهب إلى مكة، ويخرج منها معد بن عدنان ليُنجى من النقمة، فحمله إلى بلاد حران، حتى انتهت النقمة، ثم أعاده إلى مكة.
-
نهاية القصة
ظل أرميا عليه السلام في قومه، ينذر ويُذكر، حتى لقي ربه. كانت دعوته مثالًا في الصبر والثبات، واجه القوم الظالمين وحده، وتعرض للتكذيب والضرب والسجن، لكنه لم يتراجع، بل بقي ثابتًا على الحق.
وقد روى المؤرخون أن أرميا خدم قومه في الدعوة واحدًا وأربعين عامًا، ولم يجد منهم إلا الكفر والتكذيب، فكان صبره حجة لهم يوم القيامة.
-
العبرة من القصة
- أنبياء الله لا يطلبون من الناس جزاءً ولا شكورًا، إنما يدعونهم إلى الخير والهدى.
- تكذيب الرسل سبب في نزول العذاب وزوال النعم.
- التوبة لا تُقبل إذا لم تكن صادقة نابعة من قلب خاشع.
- من كان في أمان الله، فلن يضره بطش الطغاة، وإن عظمت قوتهم.
قال ابن كثير في ختام ذكر هذه القصة:
"وفيها حكم ومواعظ وأشياء مليحة."والله أعلم.
- أنبياء الله لا يطلبون من الناس جزاءً ولا شكورًا، إنما يدعونهم إلى الخير والهدى.