جميع ما يتعلَّق بالرُّؤية الشَّرعيَّة للخاطب
تناول المقال كلَّ ما يتعلَّق بالرُّؤية الشَّرعيَّة بدءًا بتعريفها ودليل جوازها مع بيان الطُّرق الَّتي أباحها الشَّرع للتَّعرُّف على المخطوبة وهل تجوز رؤيتها دون إذنها، وما يجوز للخاطب رؤيته منها، مع ذكر حكم النَّظر لشعر المخطوبة، وحكم تزيُّنها ووضعها للمكياج، وبيان الجائز من اللِّباس أثناء الرُّؤية، وختامًا بذكر أبرز الأسئلة الَّتي من الممكن أن تسألها المخطوبة للخاطب وحكم التَّعارف على الموبايل، ليكون المقال شاملاً وافيًا لجميع ما يتعلَّق بالرُّؤية الشَّرعيَّة.
جدول المحتويات
- أوَّلاً: ما هو تعريف الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
- ثانيًا: ما الدَّليل على جواز الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
- ثالثًا: ما الطُّرق الَّتي أباحها الشَّرع للتَّعرُّف على المخطوبة؟
- رابعًا: هل يجوز نظر الخاطب إلى من يريد خطبتها بغير إذنها؟
- خامسًا: ما هو مقدار ما يجوز للخاطب النَّظر إليه من المخطوبة في الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
- سادسًا: هل يجوز النَّظر لشعر من يريد خطبتها؟
- سابعًا: هل يجوز وضع المكياج (مستحضرات التَّجميل) في الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
- ثامنًا: ماذا ترتدي الفتاة في الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
- تاسعًا: ما الأسئلة الَّتي تسألها المخطوبة في الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
- عاشرًا: هل يجوز الكلام على الموبايل (الهاتف المحمول) للتَّعارف في مدَّة (فترة) الخطوبة بين الخاطِبَين؟
-
أوَّلاً: ما هو تعريف الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
· الرُّؤية الشَّرعيَّة أو (النَّظرة الشَّرعيَّة) عند المسلمين تعرف على أنَّها رؤية رجلٍ مقبلٍ على الزَّواج وعازمٍ عليه لمن يريد خطبتها لطلب الزَّواج منها،
· وتكون الرُّؤية الشَّرعيَّة قبل الاتِّفاق بين الطَّرفين والسَّير بأمور الخطوبة والزَّواج، لمعرفة مدى قبول كلٍّ من الطَّرفين للآخر، وقد أباح اللَّه هذه النَّظرة، وسنَّها النَّبيُّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- وندب إليها،
· ويجب أن تتمَّ هذه النَّظرة بوجود أهل الفتاة وبعد موافقتهم،
· ويمكن للخاطبين الجلوس بحضور أحد محارم الفتاة مثل والدها أو أخيها معهما للحديث وتبادل الأسئلة فيما بينهما، ليتمكَّنا من تشكيل صورة فكريَّة كاملة عن بعضهما البعض، ثمَّ ليتَّخذوا القرار بإكمال السَّير في أمور الخطوبة أو لا.
-
ثانيًا: ما الدَّليل على جواز الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
دلَّ الشَّرع على جواز رؤية من يريد الرَّجل خطبتها، وورد العديد من الأدلَّة على ذلك منها:
1- روى جابر -رضي اللَّه عنه- عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- أنَّه قال:
«إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ»،
قال جابر: «فخطبت جاريةً، فكنت أتخبأ لها، حتَّى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوَّجتها».
2- وروي عن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- أنَّه خطب امرأة، فقال النَّبيُّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم-:
«انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»
حيث أرشد النَّبيُّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- المغيرة إلى رؤية خطيبته قبل الخطبة، لما في النَّظر من فائدةٍ: وهي صلاح حال الزَّوجين وتحقيق الألفة والمودَّة بينهما قبل الإقبال على مرحلة الخطوبة والزَّواج.
3- وعن أبي حميد أو حميدة، قال: قال رسول اللَّه -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم-:
«إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِخِطْبَةٍ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ»
ويدلُّ ذلك على جواز النَّظر للمخطوبة حتَّى وإن لم تعلم بذلك، ما دام الرَّجل عازمًا على الزَّواج.
وغيرها الكثير من الأدلَّة، وما تعارف النَّاس عليه وجرى العرف بينهم على جوازها، على اختلاف فيما بينهم في كيفيَّتها.
-
ثالثًا: ما الطُّرق الَّتي أباحها الشَّرع للتَّعرُّف على المخطوبة؟
والشَّرع أباح التَّعرُّف على المخطوبة من ثلاث نواحٍ:
· الأولى: عن طريق إرسال امرأةٍ يثق الخاطب بها (كأمِّه أو أخته)؛ لتنظر إليها وتخبره بصفاتها،
وهذا عرفٌ قائمٌ إلى الآن في كثير من البلدان، وكان العرف السَّاري بين النَّاس جميعًا من قبل، ودليل جوازه:
روى أنس أنَّه -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- «بَعَثَ أُمَّ سُلَيْمٍ إلَى امْرَأَةٍ فَقَالَ: "اُنْظُرِي إلَى عُرْقُوبِهَا وَشُمِّي مَعَاطِفَهَا"»
وفي روايةٍ «شمِّي عوارضها»: وهي الأسنان الَّتي في عرض الفم ما بين الثَّنايا والأضراس، والمراد اختبار رائحة الفم.
وأمَّا المعاطف فهي ناحيتا العنق، والعرقوب: عصبٌ غليظٌ فوق العقب، والنَّظر إلى العرقوب لمعرفة الدَّمامة والجمال في الرِّجلين.
وللمرأة أن تفعل مثل ذلك بإرسال رجل يرى الخاطب ويصفه لها، فلها أن تنظر إلى خاطبها، فإنَّه يعجبها منه ما يعجبه منها.
· الثَّانية: النَّظر مباشرةً من الخاطب للمخطوبة للتَّعرُّف على حالة الجمال وخصوبة البدن،
فينظر إلى الوجه والكفَّين والقامة، إذ يدلُّ الوجه على الجمال، وتدلَّ الكفَّان على الخصوبة والنَّحافة، وتدلَّ القامة على الطُّول والقصر.
· الثَّالثة: رؤية صورة المخطوبة على الهاتف:
ويجوز للعازم على زواج امرأةٍ رؤية صورتها في الهاتف على ضرورة حذفها بعد ذلك وعدم الاحتفاظ بها وإدامة النَّظر إليها، وهذه الطَّريقة غالبةٌ في حال كان الخاطبون من بلدين مختلفين، ويمكن أن يرى الرَّجل المرأة ولو بغير إذنها.
-
رابعًا: هل يجوز نظر الخاطب إلى من يريد خطبتها بغير إذنها؟
اختلف الفقهاء في جواز ذلك وعدمه على مذهبين:
· الأوَّل: روي عن الشَّافعيَّة: ينبغي أن تكون نظرة الخاطب للمخطوبة خفيَّةً بغير علم المرأة أو ذويها، مراعاةً لكرامة المرأة وأسرتها، فإذا أعجبته تقدُّم لخطبتها من غير إيذاء لها وإحراج لأسرتها. فعلى مذهبهم وجب أن تكون الرُّؤية بغير علم من يريد خطبتها.
· الثَّاني: قال المالكيَّة: يجوز نظر وجه الزَّوجة وكفَّيها خاصَّةً قبل العقد، ليعلم بذلك حقيقة أمرها بعلمٍ منها أو وليِّها، ويكره استغفالها. والنَّظر يكون بنفسه أو وكيله إن لم يكن على وجه التَّلذُّذ بها. وعلى مذهبهم يكره النَّظر لمن يريد خطبتها بغير إذنها.
-
خامسًا: ما هو مقدار ما يجوز للخاطب النَّظر إليه من المخطوبة في الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
· يرى أكثر الفقهاء أنَّ للخاطب أن ينظر إلى من يريد خطبتها إلى الوجه والكفَّين فقط؛ لأنَّ رؤيتهما تحقِّق المطلوب من معرفة الجمال وخصوبة الجسد أو عدمهما، فيدلُّ الوجه على الجمال أو ضدِّه لأنَّه مجمع المحاسن، وتدلُّ الكفَّان على خصوبة البدن أو عدمها.
· وأجاز أبو حنيفة النَّظر إلى قدميها.
· وأجاز الحنابلة النَّظر إلى ما يظهر عند القيام بالأعمال وهي ستَّة أعضاء:
الوجه والرَّقبة واليد والقدم والرَّأس والسَّاق؛ لأنَّ الحاجة داعية إلى ذلك، ولإطلاق الأحاديث السَّابقة: «انْظُرْ إِلَيْهَا» ولفعل عمر السَّابق، وفعل جابر أيضًا، وهذا هو الرَّأي الرَّاجح لديهم، ولكن لا أفتي به.· وقال الأوزاعي: ينظر إلى مواضع اللَّحم.
-
سادسًا: هل يجوز النَّظر لشعر من يريد خطبتها؟
· قد ذكرنا فيما سبق أنَّ أغلب الفقهاء أجاز النَّظر إلى الوجه والكفَّين، كما أجاز الحنفيَّة النَّظر إلى القدمين.
· وأجاز الحنابلة النَّظر إلى ما يظهر من المرأة عند قيامها بأعمال البيت ومنها الشَّعر، فعلى مذهبهم جاز النَّظر إلى شعر من يريد خطبتها لأنَّ ذلك ممَّا يظهر منها عادةً في بيتها ومع محارمها.
· والرَّاجح قول جمهور الفقهاء، ولمن أراد معرفة مواصفات شعرها فيمكنه أن يرسل امرأةً ثقةً تراها وتصف شعرها له، وذلك لأنَّه ادَّعى للسَّتر وخاصَّة بعد فساد ذمم النَّاس في هذا الزَّمان، فكثيرٌ هم الَّذين لا يكونون جادِّين في الأمر، فالأولى ألَّا تكشف شعرها أمامه فهو الأحوط.
-
سابعًا: هل يجوز وضع المكياج (مستحضرات التَّجميل) في الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
· اختلف الفقهاء في جواز خروج المرأة أمام الخاطب بالمكياج، بين من جعله سُنَّةً ومن أجازه، ولم يرد الكلام عنهم بالتَّحريم، وذلك لأنَّ التَّزيُّن في زمانهم كان مقتصرًا على الاكتحال وتخضيب اليدين ولم يكن على ما هو عليه في الوقت الحاليِّ الَّذي من الممكن أن تغيِّر المرأة فيه جميع ملامحها، وتبدو على خلاف ما هي عليه في الواقع،
· ولذلك يمكن القول بأنَّه جائز بضابط:
o عدم الغشِّ،
o وعدم تغيير الملامح،
o وأن يكون خفيفًا بسيطًا لأنَّ الخاطب يريد أن يرى المخطوبة على ما هي عليه في الواقع.
· وأمَّا مذاهب الفقهاء في جواز تزيِّن المرأة للخاطب:
o فذهب الحنفيَّة إلى أنَّ إلى أنَّ تحلية البنات بالحليِّ ليرغب فيهنَّ الرِّجال سُنَّةً.
o وذهب المالكيَّة والحنابلة إلى جواز تزيِّن المرأة غير المتزوِّجة لترغيب الخاطِبَين فيها.
-
ثامنًا: ماذا ترتدي الفتاة في الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
· كما ذكرنا أنَّ الفقهاء قد أجازوا في النَّظر للمخطوبة كفَّيها ويديها وقدميها، وما يظهر منها عادةً أثناء المهنة في المنزل وهذا رأي الحنابلة.
· لذلك لا يشترط لبس الخمار بل ترتدي الثِّياب الملوَّنة والأنيقة الَّتي تستُّر العورة، وهذا يختلف باختلاف الأعراف في البلدان من بلدٍ لآخر.
· والمنتقبة عليها أن تكشف وجهها في الرُّؤية الشَّرعيَّة إذا كانت عازمةً على أمر الخطوبة والزَّواج، وإلَّا فلا داعي لكشف الوجه.
-
تاسعًا: ما الأسئلة الَّتي تسألها المخطوبة في الرُّؤية الشَّرعيَّة؟
· إنَّما أجاز الشَّرع النَّظرة أو الرُّؤية الشَّرعيَّة لمعرفة التَّقارب بين الخاطِبَين فيجوز من الأسئلة:
o ما يتمُّ التَّعرُّف فيه على مدى التَّقارب بينهما من حيث الاهتمامات والأفكار والميول.
o كما أنَّ من المهمِّ أن تسأله أسئلة تستشفُّ من خلالها مدى التزامه الدِّينيِّ؛ كأن تسأله عن حال صلاته وأذكاره،
o ومدى التزامه بالحلال والحرام؛ كأن تسأله عن التَّدخين والأركيلة،
o وعن تحمُّله للمسؤوليَّة،
o ومفهوم القوامة عنده،
o وتسأله عن سماع الأغاني،
o وعن الاختلاط بين الرِّجال والنِّساء،
o وعن غضِّ البصر،
o وتسأله عن تصرُّفات معيَّنة تستشفُّ منها مدى خلقه في التَّعامل إن كان عصبيًّا، أو لا يقبل الحوار،
· وهذا النَّوع من الأسئلة لا يكون مباشرًا لأنَّ أغلب النَّاس لا يعترفون بأخطائهم ولا يرون عيوبهم.
· وهناك أمور ستساعدها على معرفته جيِّدًا من خلال بعض التَّصرُّفات في مدَّة (فترة) الخطوبة، ومن خلال سؤال الأصدقاء والمقرَّبين عنه.
· وهناك بعض الأسئلة قد ذكرها الدُّكتور جاسم المطوَّع للتَّعارف، وهي:
1- ما هو هدفك في الحياة؟ وما هو طموحك المستقبليُّ؟
2- ما هو تصوُّرك لمفهوم الزَّواج؟
3- ما هي الصِّفات الَّتي تحبُّ أن تراها في شريك حياتك؟
4- هل ترى من الضَّروريِّ إنجاب الأطفال من أوَّل سنة؟
5- هل تعاني من مشاكل صحِّيَّة أو عيوب خلقيَّة؟
6- هل أنت اجتماعيّ؟ ومن هم أصدقاؤك؟
7- كيف هي علاقتك بوالديك؟ وإخوانك وأهلك؟
8- في ماذا تقضي وقت فراغك؟ وما هي هواياتك؟
9- هل لك نشاط تطوُّعيّ أو خيريّ؟
10- ما رأيك لو تدخَّلت والدتي أو والدتك في حياتنا الشَّخصيَّة؟
-
عاشرًا: هل يجوز الكلام على الموبايل (الهاتف المحمول) للتَّعارف في مدَّة (فترة) الخطوبة بين الخاطِبَين؟
· لا حرج بالكلام بين الخاطِبَين ليتعرَّف كلٌّ منهما على صفات الآخر واهتماماته، وقد لا يتسنَّى ذلك بالرُّؤية فقط مع الأهل، لأنَّ الزِّيارة ربَّما تكون قصيرةً فلا يتسنَّى لكلِّ واحد من هما الاستفسار عن الآخر جيِّدًا.
· لذلك يجوز الكلام بينهما بضابطين:
الأوَّل: عزم كلٍّ منهما على فكرة الارتباط والزَّواج.
الثَّاني: أن يكون وفق الحدود والآداب الشَّرعيَّة، ويُفضَّل أن يكون بحضور أحد الوالدين بقرب الفتاة عند التَّواصل بينهما.
تنبيه هام:
إنَّ محتويات هذه المقالة خاصَّةً بموقع مؤمنة الإلكترونيِّ، ولا نجيز لأحد أخذها أو الاقتباس منها دون الإشارة لرابطها في موقعنا ولا نسامح على سرقة تعبنا فيها؛ نظرًا للوقت والجهد المبذولين فيها وحفاظًا على الحقوق العلميَّة لمحتوى موقعنا.