هَلْ لَمْسُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ يَنْقُضُ الوُضُوءَ؟
يعدُّ حكم لمس الرجل للمرأة من المسائل الفقهية التي اختلف فيها الفقهاء، حيث انقسمت آراؤهم إلى ثلاث اتجاهات رئيسية، بناءً على تفسيرهم لقوله تعالى: {أو لامستم النساء} [المائدة: 6]، وعلى الأحاديث النبوية المتعلقة بالموضوع، مع بيان من التي يكون لمسها ناقض للوضوء؟

-
أولاً: آراء الفقهاء في حكم لمس المرأة ونقض الوضوء
1. مذهب الحنفية
يرى الحنفية أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء إلا في حالة "المباشرة الفاحشة"، والتي يُقصد بها:
التقاء الفرجين مع انتشار العضو دون وجود حائل يمنع حرارة الجسد.
مباشرة الرجل للمرأة بشهوة مع انتشار، دون وجود ثوب، ودون رؤية بلل.
2. مذهب المالكية في لمس المرأة ونقض الوضوء
يذهب المالكية إلى أن لمس المرأة ينقض الوضوء إذا تحقق فيه ما يلي:
· أن يكون اللامس بالغًا.
· أن يكون الملموس ممن يُشتهى عادة، سواء كان ذكرًا أو أنثى.
· أن يقصد اللامس اللذة أو يجدها.
ويترتب على ذلك:
أن لمس المرأة ولو من فوق حائل، إن كان الحائل خفيفًا يشعر معه اللامس بطراوة البدن، فإنه ناقض للوضوء. كما أن القبلة بالفم تنقض الوضوء مطلقًا، ولو بدون لذة، لأنها مظنة اللذة.
3- رأي الحنابلة في لمس المرأة ونقض الوضوء
ذهب الحنابلة إلى أن لمس المرأة ينقض الوضوء إذا كان بشهوة ومن غير حائل، بشرط أن يكون الملموس مشتهى عادة، غير طفلة أو طفل. ويشمل هذا الحكم:
لمس المرأة، سواء كانت أجنبية أو من المحارم.
لمس ميتة أو صغيرة تشتهى (بنت سبع سنوات فأكثر).
أما ما لا ينقض الوضوء:
· لمس شعر وظفر وسن.
· لمس عضو مقطوع.
· لمس أمرد ولو بشهوة.
· لمس الرجل للرجل أو المرأة للمرأة، ولو بشهوة.
4. رأي الشافعية في لمس المرأة ونقض الوضوء
يرى الشافعية أن لمس الرجل للمرأة الأجنبية، سواء كانت حية أو ميتة، ينقض الوضوء بمجرد ملامسة البشرة، ولو من غير قصد أو شهوة، إلا في حال وجود حائل. ويشمل ذلك لمس:
· المرأة العجوز أو الشيخ الهرم.
· المرأة غير المحرم.
· المرأة الصغيرة إذا كانت بالغة حد الشهوة عرفًا.
أما ما لا ينقض الوضوء:
· لمس الشعر والظفر والسن.
· لمس المرأة بحائل.
· لمس محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة، لانتفاء مظنة الشهوة.
-
ثانيا: النساء اللاتي ينتقض الوضوء بلمسهن بالتفصيل
عند الحنفية: لا ينقض لمس أي امرأة الوضوء إلا في حالة المباشرة الفاحشة.
عند المالكية:
· المرأة التي تُشتهى عادة، سواء كانت زوجة أو أجنبية أو محرمة، بشرط وجود شهوة.
· المرأة التي يُلمس جزء من جسدها الذي يُستشعر منه طراوة البدن حتى لو من فوق حائل خفيف.
· المرأة التي تُقبَّل في الفم، حتى لو لم تكن هناك شهوة.
· المرأة المكرهة أو المستغفلة، إذا وجد اللامس لذة.
عند الحنابلة:
· المرأة التي يُلمس جسدها مباشرة دون حائل وبشهوة.
· المرأة التي تُشتهى عادة، سواء كانت صغيرة (بنت سبع سنوات فأكثر) أو كبيرة.
· المرأة الأجنبية والمحرم.
· المرأة الميتة.
عند الشافعية:
· كل امرأة أجنبية تُلمس بدون حائل، سواء بشهوة أو بدونها.
· المرأة العجوز أو الشيخ الهرم.
· المرأة الصغيرة إذا كانت تصلح للشهوة عرفًا.
-
ثالثاً: أدلة الفقهاء في حكم لمس المرأة
1. القرآن الكريم:
قال تعالى: {أو لامستم النساء} [المائدة: 6].
فسر الحنفية "اللمس" في الآية بأنه كناية عن الجماع، استنادًا إلى قول ابن عباس وابن السكيت، حيث إن اللمس إذا قُرن بالنساء في اللغة العربية يُراد به الوطء.
أما المالكية والحنابلة، فقيدوه بكونه بشهوة، ليجمعوا بين الآية وبين الأحاديث التي تفيد عدم نقض الوضوء بلمس المرأة دون شهوة.
أما الشافعية، فعملوا بالحقيقة اللغوية لكلمة "لامستم"، واعتبروها تعني مجرد ملاقاة البشرتين.
2. الأحاديث النبوية:
حديث عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه، ثم يصلي ولا يتوضأ».
حديث عائشة أيضًا: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله».
حديث عائشة كذلك: «فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوضعت يدي على باطن قدميه، وهو في المسجد، وهما منصوبتان».
واستدل الجمهور بهذه الأحاديث على أن مجرد لمس المرأة لا ينقض الوضوء.
أما الشافعية، فضعفوا حديث عائشة في التقبيل، وفسروا حديث لمس القدم بأنه ربما كان بحائل أو أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
-
رابعاً: أمثلة واقعية على لمس الرجل للمرأة
بعض الأمثلة الواقعية على لمس الرجل للمرأة وحكمه وفقًا لاختلاف المذاهب الفقهية:
1. رجل يصافح امرأة أجنبية (ليست من محارمه)
الشافعية: ينتقض وضوؤه مباشرة، حتى لو لم يقصد الشهوة.
المالكية والحنابلة: لا ينتقض وضوؤه إلا إذا شعر بلذة أو شهوة أثناء المصافحة.
الحنفية: لا ينتقض الوضوء بمجرد المصافحة، إلا إذا حدثت مباشرة فاحشة (كالمس المباشر مع انتشار العضو).
2. رجل يقبل زوجته قبل الصلاة
الشافعية: ينتقض وضوؤه بمجرد التقاء البشرتين.
المالكية والحنابلة: ينتقض الوضوء إذا كان التقبيل بشهوة، وإلا فلا.
الحنفية: لا ينتقض الوضوء بالتقبيل مطلقًا.
3. رجل يلمس يد امرأة دون قصد في زحام المواصلات
الشافعية: ينتقض وضوؤه، لأن مجرد لمس المرأة الأجنبية عندهم ناقض للوضوء.
المالكية والحنابلة: لا ينتقض وضوؤه، ما دام لم يشعر بلذة أو شهوة.
الحنفية: لا ينتقض الوضوء مطلقًا في هذه الحالة.
4. طبيب يعالج مريضة ويلمس يدها أثناء الفحص الطبي
الشافعية: ينتقض وضوؤه، حتى لو كان الفحص طبيًّا بحتًا.
المالكية والحنابلة: لا ينتقض وضوؤه إلا إذا شعر بلذة أثناء اللمس.
الحنفية: لا ينتقض وضوؤه مطلقًا.
5. رجل يلمس يد زوجته أثناء النوم دون أن يدرك
الشافعية: ينتقض وضوؤه، لأن مجرد اللمس عندهم ناقض.
المالكية والحنابلة: لا ينتقض وضوؤه إلا إذا شعر بلذة.
الحنفية: لا ينتقض وضوؤه نهائيًّا.
-
الخاتمة
اختلف الفقهاء في حكم لمس المرأة ونقض الوضوء، وكان سبب الاختلاف هو تفسيرهم لقوله تعالى {أو لامستم النساء}، وكذلك اعتمادهم على الأحاديث النبوية. فذهب الحنفية إلى أنه لا ينقض الوضوء إلا في المباشرة الفاحشة، بينما اشترط المالكية والحنابلة وجود الشهوة، وأطلق الشافعية الحكم على كل لمس دون تفريق بين شهوة أو غيرها.
وبناءً على هذا، فإن الشخص يمكنه الأخذ بالمذهب الذي يراه أقرب إلى الأدلة الشرعية وإلى حالته الخاصة، والله تعالى أعلم.